الاثنين، نوفمبر ٢٦، ٢٠٠٧

لا تغرّنك المظاهر

ثقافة النسخ و اللصق
هل تمتلك موقعا أو منتدى أو مدونة أو بطيخة و تعاني من عبث أطفال الإنترنت الذين يجوبون المواقع لسرقة أفكار الآخرين؟ كم هو مؤسف أن تجد غيرك يبني آماله و أحلامه من تعبك. لاشك أن هذه المشكلة يعاني منها الكثيرون، و لابد من التوعية. و لكن التوعية وحدها لا تكفي، إنما يجب أخذ خطوات عملية للحد من سرقة حقوق الآخرين الفكرية.

إحتكار العلم
العلم ليس حكرا على أحد، و كاتم العلم يلجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، أو كما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة و السلام {من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة} رواه إبن ماجه و الترميذي.بالطبع العلم يُؤخذ و لا يُخلق، و ليس هناك إختراع أتى من فراغ، إنما لابد و أن المخترع إستند فيه على معرفته و إطلاعه بتجارب من سبقه. لذا فمن السُّخف أن نقول هذا العلم لي و هذا لك.
نقاط على الحروف

هناك طرق عديدة لنقل العلم، منها ما هو جيد و منها ما هو خبيث. في عالم الإنترنت يأتي أحدنا و يكتب مقالا قد إستغرق في تحضيره ساعات. يأتي آخر، و ببساطة شديدة ينسخ النص و يلصقه في موقع آخر (دون ذكر المصدر أحيانا)، ثم تجد كلمات الشكر تنهال عليه “يا بطل. مشكووووووووور. إلخ…” أليس هذا قمة الغباء؟!في عالم الإنترنت يأتي أحدنا و يكتب مقالا قد إستغرق في تحضيره ساعات. يأتي آخر، و بحركة بسيطة جدا ينسخ رابط الموضوع ثم يلصقه في موقع آخر فيستفيد كل من إطلع على الرابط.

أي الطريقتين أنسب؟
إذن، إن كانت هذه الفئة التي تسرق أفكار غيرها تستند على الدين لتبرير أفعالها، فأقول لها إن الدين لم يقُل أن نقل العلم لا يتحقق إلا بالنسخ و اللصق. إذا نقلتَ رابط المقال -بدلا من نسخه- تكون قد نشرت العلم، أليس كذلك؟
أما من يستند على هواه في سرقة أفكار الآخرين و يريد أن تسود العبثيّة و يتعدى على حقوق غيره و كأنه يعيش في غابة، فهذا لا ينفع معه الكلام الحسن إنما يجب محاربته بخطوات تطبّقها في موقعك أو مدونتك لمنعه من نسخ مقالاتك، وسآتي على ذكر الخطوات بعد قليل.

لا تغرّنك المظاهر
من يظن أن سرقة المقالات من مواقع أخرى ستُثري موقعه فإنه مخطئ تماما. خُذ مثلا محرك البحث غوغل، فإنه لا يأرشف صفحات موقعك التي تحتوي معلومات منسوخ، بل يعتبرها صفر على الشمال! يعتمد أخونا غوغل على عمليات حسابية (algorithm) معقدة جدا في أرشفة المواقع، لذا فلا يمكن التحايل عليه في مثل هذه الأمور.
لاحظ أن 70 بالمئة أو أكثر من زوار أي موقع يصلونه عن طريق غوغل. إفتح مثلا صفحة البحث في غوغل واكتب عبارة “زراعة” وانظر إلى أول نتيجة تظهر لك. أكثر من 80 بالمئة من زوار موقعي -زراعة نت- يأتونه عن طريق جوجل. جرّب الآن عبارة “التصوير الرقمي” ولاحظ كيف أن مقالا كتبته عن التصوير الرقمي يظهر في الصفحة الأولى من نتائج البحث.

أرجو أن لا يضيّع أحد الفرصة لكسب ثقة غوغل! فإنه إن غضب عليك و اكتشف أنك تعيش على النسخ و اللصق فسيحذف موقعك من أرشيفه. يمكنك الإطلاع على هذا الموضوع باللغة الإنكليزية للتأكد بنفسك.

نسخ المعلومات يجعلك:
1- تقع في مشاكل مع غيرك من أصحاب الحقوق.
2- تفقد مصداقية محرك البحث غوغل.
3- تبرهن للآخرين بأنك غبي و عقلك عاجز عن التفكير و الإبداع.
4- تؤكد للآخرين بأنك كسول و تستصعب القيام بأي جهد في سبيل إعلاء شأن هذه الأمة.

يحترمك الناس إذا:
1- إستأذنتهم بنسخ مقالا في مواقعكهم.
2- وضعت رابط لذلك المقال في موقعك بدلا من نسخه.
3- إقتبست جزءا من المقال -مع ذكر المصدر- بهدف مناقشته في موقعك، و هذا سيدُل على جديّتك.

الحل الأمثل
أمامك خيارين: إما أن تنتظر توبة السارق، و إما أن تأخذ الحيطة و تُقدم على خطوات عملية لمنع النسخ و السرقة.

ولكى اكون امين تم نقل هذا المقال من
http://www.aouniat.com/2008/08/29/plagiarism.html
و الشكر كل الشكر لصاحبه

الاثنين، نوفمبر ٠٥، ٢٠٠٧

و لا زال ...هناك أحلام تنتظره

نجيب محفوظ



عندما احتفلت مصر امس بمئوية المتحف المصري،
الذي يضم كنوز وأسرار الحضارة المصرية القديمة،
وفي الوقت نفسه كا ن يحتفل نجيب محفوظ بدخوله حديقة عامه الثاني والتسعين،
متأملا نصه الفريد وهو ينفتح بقوة على لحظتي البداية والنهاية،
وكأنه يولد للتو،
وكأن كل هذه السنين التي عاشها على ظهر
كوكبنا التعيس قد منحت هذا النص أبوة التاريخ وأمومة الحياة.

في صباح ذكرى ميلاده يرتشف محفوظ
رشفة واحدة من فنجان قهوته «السادة»
ويأخذ نفسا عميقا من إحدى سيجاراته المعدودة،
وربما يطلق ضحكته الرنانة،
وببساطة سوف يهمس لمريديه: أنا أحلم بأنني صرت أثرا،
لذلك ينبغي أن تغادروني حتى تكتمل كينونتي وأبهتي،
فالأثر يتحول الى قيمة بالترك،
وحين ينفك من حبائل المكان والزمان يصبح سؤالا ممتدا في الوجود والحياة.

وبتلقائيته المعهودة،
ربما يرفع محفوظ صوته قليلا: ألم أدخل هذا المتحف،
ألم ألمس بهاءه وقداسته في طفولتي الاولى،
كنت أحفر مجراي الخاص في أزقة النهر الكبير،
لحظتها لا أعرف لماذا تخيلته بلا ضفاف،
أو جدران،
أو أقنعة،
أو صولجان،
لحظتها ربما توهمت أنني الضفة الاخرى وراء هذه الضفاف.

صرخت آنذاك: انا الطفل في صحراء العمر،
لكن صرختي كانت تتكسر تحت خطاي وفوق شفتي،
وأحيانا كانت تتحول الى تمثال من الجرانيت الحي،
تحت اقدامه تجلس «رادوبيس» و«عبث الاقدار» يتأملان «كفاح طيبة»،
وهي تشد الشراع من خيوط الشمس، تجدله في أكف السماء..
هل ولدت وسط هذا الطيف. كان حلمي أن أرى ما تحت قدمي،
لكن لا اعرف كيف زاغ البصر الى الأبعد والأعقد في متاهة الانسان والأشياء والحياة.


اثنان وتسعون عاما أحملها فوق ظهري،
لم أكل أو أيأس،
أو أغير ايقاعي ومزاجي،
أو أبدل خطوة بأخرى..
كنت دائما ميزان نفسي.
في الثلاثية كنت أراقب هذه النفس
وهي تخطو فوق مدارج الحياة،
وتتعثر في لعبة النهوض والانكسار،
لعبة الخير والشر،
وفي «الحرافيش» رفعت النبوت وهشمت «المرآة».
كان لدي دائما «الموديل» أو النموذج،
أعشقه، وأكسوه بهواجسي ودمي ولحمي.
أحيانا أخرجه من عباءة الماضي،
فيغدو هذا الماضي حاضرا شديد التيقظ والإرباك.
واحيانا اخرجه من عباءة الحاضر فيغدو
هو الأخر ماضيا يتراءى فوق حافة الحلم والواقع،
أو فوق حافة الهاوية التي أسميها ربما التاريخ أو الانسان.

يصمت قليلا متأملا غبار سيجارته
وهو يتموج فوق صفحة النيل،
وكأنه ينصت الى أصقاع نفسه: أنا المتحف إذن،
ألم تشاهدوا فنوني وألواني في
«القاهرة 30»
و«ثرثرة فوق النيل»
و«بداية ونهاية»
، ألم تلمسوها بمحبة نزقة في
«السمان والخريف»
و«ميرامار»
و«اللص والكلاب»
و«الطريق»
و«همس الجفون»،
لقد أحببت أبطالي، لم أحجر عليهم،
تركتهم يصنعون مصائرهم بحرية تامة،
ويواجهونها تحت راية وحيدة هي: العدل والحب،
وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

يشرد محفوظ،
ويمعن في خطوط يديه الواهنتين: أكملوا نقاشاتكم،
سوف أنصرف الان،
الوقت متأخر،
هناك أحلام تنتظرني،
هناك سهام
من المؤكد أنها سوف تطيش حين تجرحني بمحبة خالصة.