السبت، ديسمبر ١٣، ٢٠٠٨

وعجبى !!!


ضريح رخام فيه السعيد اندفن

و حفره فيها الشريد من غير كفن

مريت عليهم .. قلت يا للعجب

لاتنين ريحتهم لها نفس العفن

وووووعجبي !!!

الجمعة، ديسمبر ٠٥، ٢٠٠٨

مصفقون


مصفقون


ما أكثر اتحاداتنا وما أصعب وحدتنا.. عدّوا على أصابعكم أيها الموحِّدون غير الموحَّدين.. اتحاد الكتاب العرب، اتحاد المسرحيين العرب، اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، اتحاد الناشرين العرب، اتحاد أطباء الأسنان العرب، اتحاد أطباء العيون العرب، اتحاد أطباء "الخشوم" العرب، اتحاد "الحانوتية" العرب.. اتحاد "المشكّكين" العرب، اتحاد "المنافقين" العرب، واتحاد " المتأمركين" العرب.. اتحادات كثيرة مثل "الرز"، تنتشر من المحيط إلى الخليج، ومن الهزيمة إلى الهزيمة، ومن التشرذم إلى التشرذم، متخذة مقرات دائمة لها في جميع العواصم العربية، وأمناء عامّين، ورؤساء، وأعضاء إداريين، وأعضاء دائمين.. لكل شيء أسسنا له (اتحاد عرب).. إلا التصفيق.. ولا أدري سبب تأخر إنشاء اتحاد المصفّقين العرب إلى الآن، مع أن التصفيق أكثر المهن شيوعا، وأكثرها تواجدا في الفعاليات الثقافية والسياسية. أعطوني خطابا سياسيا واحدا يحضره حشد غفير من الحضور ولا يتم فيه التصفيق كلما ذكرت كلمة: وطن، شعب، حرية، ديمقراطية، وحدة عربية.. أعطوني خطابا سياسيا واحدا من المحيط إلى الخليج لم تتخلّله رقصات شعبية عفوية (مرتّبة مسبقا) وقصائد شعرية، ولم تختتم بحلقات الدبكة، وبالأهازيج الوطنية، ولم تقدّم فيه لوحات يشكّلها طلبة المدارس النموذجية. إذن وكما تلاحظون لا يوجد خطاب من غير تصفيق أو تصفير. ونتيجة لذلك ولكثرة المصفّقين الراغبين في الانتساب تبرز أهمية مأسسة التصفيق ليصبح منهجيا مؤسسيا، له مبادئه وحضوره على الساحة العربية، ومتجليا بضرورة الإسراع بإنشاء "اتحاد المصفقين العرب" في أقرب وقت ممكن.. فخطابات أمتنا تمرّ بمرحلة حرجة ولا بد من رص "الكفوف". كما يجب التنويه إلى أن هذا الاتحاد ستحكمه الأسس والقوانين المتعارف عليها في باقي الاتحادات، من حيث انتخاب أمينه العام، ومساعده وأعضاء الهيئة الإدارية. أما من حيث شروط الانتساب إلى الهيئة العامة فيجب أن يكون للمنتسب خبرة سابقة في التصفيق، وممارسا للمهنة بما لا يقل عن سنتين، أو أن يكون أحد "المصفّقين القدامى". بقي أن أذكر أن التصفيق أصلا "اختراع عربي" وهو عادة عربية بامتياز، والدليل على ذلك أن الحج في الجاهلية كان "تصفيقا وتصفيرا". وقبل أن أنسى وأختتم المقال، لا بدّ لي من استعراض أنواع التصفيق ولو بعجالة: فهناك تصفيق يتم مع تباعد وانفراج أصابع الكفّين، شبيه بتصفيق "غوّار الطوشة" في نهاية كل وصلة غنائية من وصلات "صحّ النوم" ويدعى هذا التصفيق بالتصفيق "الحامي". وهناك تصفيق يعتمد على تثبيت اليد اليسرى بشكل مائل مع قيام اليد اليمنى بالفعل الرئيس للتصفيق، ويدعى هذا التصفيق بالتصفيق "البارد" ويستخدم هذا النوع من التصفيق عند الفتور وعدم الحماس للفكرة. وهناك النوع الأخير من التصفيق، ويدعى "تصفيق حامي بارد" وهو عبارة عن "صفق" المسؤول الأمني يديه على وجوه غير المصفّقين.. لا لشيء ولكن رغبة منه في تشارك الجميع في الفرحة الوطنية. (منقول)

الخميس، نوفمبر ٠٦، ٢٠٠٨

عناوين جرانين المستقبل

عناوين جرانين المستقبل

عناوين جرانين المستقبل


احـنا العـمال اللى انقـتلوا

قـدام المصنع فى ابو زعبل

بنـغـنى للدنـيـا ونـتـلو

عناوين جرانـين المستـقبل:

"وحـدة صـف الأحـرار"

"جـبـهـة لكـل الثـوار"

"عـبور الجـيـش لسـينا"

"الـزحف مـن الأغـوار"

"جـيش العـدوان يتقـهقر"

"الأرض قــايـدة نــار"

"والبـحر قـايـد نــار"

"الاستـعمار أثـبت فشـله"

"البـيت الأبيض لا يخجل"

"إحـنا العـمال اللى انقتلوا"

"قدام المصنع فى أبو زعبل"


بـنـغـنى للدنـيا ونتـلـو

عنـاوين جرانـين المستقبل:

"محـكـمة للـمـجرمـين"

"قائــمة بالمـتـهـمـين"

"إدانـة مسـتر نيـكسون"

"بقـتل الاسـطى ياسـين"

"القــاتل اسـتـعـمارى"

"القـتـلـى وطنــيـين"

"عـمــال مـدنـيـيـن"

"نـصارى ومسـلـمـين"

"مرتكبو المذبـحة يعتـقلوا"

"الحـكم عـى المتهم الأول"

احـنا العـمال اللـى انقتلوا

قـدام المصنع فى ابو زعبل

بـنـغـنى للدنـيا ونتـلـو


عنـاوين جرانـين المستقبل:

"الجـو غــدا يتحـسـن"

"معرض لزهور السـوسن"

"الخطـة الخـمسية تنـفذ"

"مهرجانات النـصر غـدا"

"تصـفـية الصهـيونـية"

"دولـة فلسطين .. تعـلـن"

"دستور وقوانين .. تعـلـن"

"حريـة الدين .. تعـلـن"

"قوس تذكارى جارى عمله"

"طالين منه احنا وح نفضل"

احـنا العـمال اللـى انقتلوا

قـدام المصنع فى ابو زعبل

بـنـغـنى للدنـيا ونتـلـو


عناوين
جرانين
المستقبل

عمنا صلاح جاهين

الاثنين، سبتمبر ١٥، ٢٠٠٨

Definitely, Maybe



A Second Look At The Past Is A Second Chance At The Future

كم من فرص الحب الضائعه نرثي ! ... نتذكر تلك اللحظات التي إعتقدنا أن الحب سيدوم و سيتوج حياتنا بالسعاده الأبديه .. و لكن كلما مرت بنا الأيام .. يضيع الحب .. و تبقى ذكريات خالده مجرد أن نتذكرها تعيد لنا نفس الشعور بالسعاده و في ذات الوقت نفس الشعور بالآلم الذي سببه لنا الإستسلام للحب ... هل كانت مجرد أحلام ؟ .. هل الحياه أصبحت تحطم جميع الفرص للسعاده ؟ ... هل تتاح هذه الفرص مرة اّخرى ! .. ما هي حقيقة النهايه السعيده التي كنا نبحث عنها ... ربما نظرة إلى الماضي هي بمثابة إتاحة فرصه أخيره للمستقبل .

Definitely, Maybe .. و تعود الذكريات عن فرص لم تغتنم
==============================================




"ويل هايز" هو مثال للمواطن التقليدي .. يعمل في وظيفه لا يحبها و قريبا سيصبح مجرد رقم ضمن النسبه المئويه لفئة الأزواج المنفصلين في المجتمع ... ربما لم يكن هذا هو ما أراده من الحب و لكن لا تشفقو عليه فهو يستمتع بالأوقات التي تتاح له بقضاء وقت مع إبنته الصغيره "مايا" من حين لآخر .

ربما يعتقد ان الحياه الآن لا تخبئ له مزيد من الفرص الحب ليغتنمها .. و لكن ليس بعد أن تطلب منه إبنته في أحد الأيام أن يخبرها بقصة لقاءه بوالدتها ... ما هو نوع الحب الذي كان يجمع بينهما .. هل كان الشغف يجمح بتلك العلاقه .. هل كانت قصة حب أسطوريه ... أسئله تريد الطفله إجابه عليها فيجد الوالد نفسه يستعيد تلك الذكريات التي كان يتمنى أن ينساها للأبد حتى لا تعيد له اّلام الماضي .

يعقد "ويل" مع "إبنته إتفاق أن يقوم بسرد قصة حياته لها في الفتره التي قابل فيها والدتها .. ما هي طموحاته هذه الأوقات .. ما هي طبيعة المجتمع الذي كان يعيش به .. ما هي فرص الحب التي إتنمها و ما هي الفرص التي أضاعها , و في أثناء ذلك سيقوم بتغيير أسماء الأشخاص بحيث يصبح الأمر لغزا على الطفله "مايا" في التعرف على من هي والدتها بينهن ... هل الإجابه على هذا اللغز هي الإجابه الصحيحه لفرصة الحب الحقيقيه التي لم يغتنمها "ويل" , أم أن هذه فرصة أخيره لمستقبل أفضل !


Definitely, Maybe .. رومانسيه ذات طابع خاص
==============================================




أحيانا تنظر للحب بنظره واقعيه قليلا فتبدو لك تلك الأعمال الرومانسيه مفتعله بعض الشئ ! .. عن قصص خياليه و وعود كاذبه , عن أحلام ورديه و نهايات سعيده بعد عدة مواجهات و معاناه من الظروف المحيطه , و لكن هذا ليس ما يتطرق له Definitely, Maybe و هذا ما يجعله مميزا و يستحق الأشاده به .

فلقد تم الإبتعاد تمام في أحداث القصه عن الإفتعال الرومانسي الزائد من حب لا حدود له و عشق يملأ القلوب بحيث يساعدها على مواجهة كل قيود الحياه ! ... كما لم يتم إضافة أحداث كوميديه ساخره لتفسير أنه كم أن الحب يجعلك سعيدا و لا تعاني و في نفس الوقت لم يتم إقحام دراما من التيمات المكرره ( الوالد يعارض علاق الحب ! ... المحبوبه تعاني من مرض خطير ! .. العاشق يعاني من فقر و لا يتساوى مع المحبوبه في المستوى الأجتماعي !! ) .. كل تلك التيمات المفتعله تقلل من تقبلك للقصه لتجد أنها تتاجر بأحلام خالية المعني أو المضمون فإما تكون تنصر الحب على جميع الظروف و هذا ليس الواقع ! ... أو تضفي كاّبة و سوداويه دراميه على الحب فتجعلك تخشى الوقوع به !

و لكن في Definitely, Maybe فإن ما يميز الأحداث هي واقعيتها ... فأنت تتابع أشخاص حقيقين .. كل منهم يحمل أفكار خاصه و أحلام شخصيه يريد تحقيقها في فترة معينه و يحيطها بيئة و مجتمع له روح خاصه به لها تقلبات و إنفعالات و تغيرات تؤثر على هؤلاء الأشخاص .

فننظر إلي "ويل هايز" نجده في الماضي ذلك الشاب القروي الذي لديه طموح و أحلام سياسيه بأن يصل يوما لمنصب رئاسة الولايات المتحده الأمريكيه !!! ... و في ذات الوقت لديه مخطط لحياته سوف يتوجها بإخلاص خالد لمحبوبته "إيميلي" التي نشأ على حبها و تشاركه تلك الأحلام .

الجمعة، يونيو ١٣، ٢٠٠٨

وش يشبه حزننا

وش يشبه حزننا

" هو عنوان أحدث دواوين الشاعر المصري مجدي نجيب ، والصادر عن "كتاب الهلال" ، وقال الشاعر المصري الكبير فاروق شوشة في تقديمه للديوان أنه يمثل بكائية للزمن الجميل وشهادة على عصر ، فمنذ ديوانه الجميل البعيد " صهد الشتا " ومجدي نجيب يواصل خطه البياني الصاعد في فضاء شعر العامية المصرية ، هذا الشاعر المفعم بالحلم والبراءة والشفافية والعذوبة ، الغارق في تفاصيل الحياة اليومية ، لحظة بلحظة ، وساعة بساعة ، يسجلها ويحسب دقائقها وثوانيها ، ويباغتنا بأنه بين الحين والحين يفيض به الكيل ، ويستشعر حجم المأساة الفاجعة ، فيطلق صرخته كلمات حادة مدببة ، ويعري الأشياء من أقنعتها الزائفة ، ويحاول دوما أن يوقظ فينا حقيقة الإنسان ، وتوقه للأبقى والأجمل


قول مجدي نجيب مقدما لوحته بهذه الكلمات :
"
الساعة تلاته ونص، ونا وسط الناس .. باتفرج على حادثه
"


انتحر الحلم في أتوبيس زحمه



كان السواق من كتر مشاكله



دمعه بيغلب على طابعه



ينسى يفرمل أتوبيسه



لما بيتذكر إن زباينه الراكبين



زيّه تايهين



وقعت منهم كلّ العناوين



والشارع خالي



من أرصفة الرحمة



طبعاً مشهد سريالي!

الخميس، أبريل ١٧، ٢٠٠٨

عذرا يا حروفى


وانا بقلب فى كشكول مذاكرتى
لقيت حاجة حلوة كانت مكتوبة
الله اعلم كنت كتبها من كتاب من كتب
مكتبة بابا الله يرحمة و لا تكون من اوراقه الخاصة

المهم
بتقول :


عذرا يا حروفى

سوف اجعلك اسيرة صمتى فى عالم صامت
و لن تخرجى مرة اخرى الى النور
لن تخرجى مرة اخرى الى النور ..

فحينما يجتاح الموج حياة الانسان
ويقلب الزمن مشاعر القــلب
ويبقى امل الصــــــــــراخ .
هو المنقذ الوحيد من الغرق
فانـــنا لا نلقى اذان صاغيــــــة
لاننا ابتعدنــــــــــا عن شأطي النجاه

.... و اميـــال .... اميـــــال

و روحك معبأة بالحرمــــــــان
فتغرق بهدوء قاتــــــــل
فى متاهات النســـــــــيان
لتعلن للموج استسلامـــــــنا
و انه لا محال من الفـ(غ)ــرـــ ق ــــ

فاعذرينى هذا الحكم و عليك التنفيذ
مغلولة فى قلب سرمدى الامد
فلقد سئمت حياة الاوهــــــأم
و لقد سئم قلمى من عباراتـى
ولم يبقى من العمر الا الأيــام
اُلمٍلم فيها شتات روحى و ذاتــى


وداعا يا حروفى ...و داعا يا قلبــى

وداعا .. وداعا.. وداع يُبكى اهاتـى

الخميس، مارس ٢٧، ٢٠٠٨

حلم كل يوم



يراودنى حلم ..
اقصد كابوس مزعج كل ليلة..
فاقرر ان لا انام فاظل مستقيظا حتى ياتى فجر يوم جديد
وبمجرد ان تلقط عيناى النور ارتمى على الوسادة وانام بشراهة ..
وهذا... لاننى اخاف رومانسية المساء
التى تذكرنى بها ّ!!!

ركن الاحلام (مذكراتى)..
محمد منير

الجمعة، مارس ١٤، ٢٠٠٨

حلم احمر ف احمر


البداية كانت مجرد نَظرات
ياليها اِبتسامات
فالشوقُ ملتهبُ و القلب سرُيع النبضاتٍ

اهو حب صامت
بلا كلمات
غريب ثغرها فهو ممتنع عن العبارات

أففى هذا الامتناع ..
حب بأبتداع ...
بلا أنخداع ...
ولا أنخلاع ...

أحقا حب ّّّ!!!

أحب غريب الطباع
أبعيدا عن الانصياع
أسالُها تجيب هى باقتناع
نعم عزيزي !!!

فَحبىٍِ صعُب الاتباع

..(مذكراتى)
ركن الأحلام
..محمد منير

الجمعة، مارس ٠٧، ٢٠٠٨

حلم158


أسير

على غير هدى، وبلا هدف.

ولكن صادفتني مفاجأة لم تخطر لي في خاطري،

فصرت

كلما وضعت قدمي في شارع انقلب الشارع سيركاً.

اختفت جدرانه وأبنيته وسياراته والمارة،

وحل محل ذلك قبة هائلة بمقاعدها المتدرجة

وحبالها الممدودة والمدلاة وأراجيحها وأقفاص حيواناتها،

والممثلون والمبتكرون والرياضيون

.. حتى البلياتشو.

وشد ما دهشت وسررت وكدت أطير من الفرح.

ولكن بالانتقال من شارع إلى شارع،

وبتكرار المعجزة،

مضى السرور يفتر والضجر يزحف،

حتى ضقت بالمشي والرؤية،

وتاقت نفسي للرجوع إلى مسكني.

ولكم فرحت حين لاح لي وجه الدنيا

وآمنت بمجيء الفرح.

وفتحت الباب،

فإذا بالبلياتشو يستقبلني مقهقهًا!


احلام نجيب محفوظ

****


السبت، فبراير ٢٣، ٢٠٠٨

شمسى لا تغيبى ابدااااا

لا بالله عليكى شمسى لن تغيبى
لن تغبيى فان منتظر يوما لا ظلام فيه



انا عمرى ما هنسا حبك فى قلبى
و فى يوم ميلادك و يوم مماتك
22/2

عمرى ما هنسى
وصيتك انى اخد بالى من اخواتى و امى
و اكون شاكر فى كل حال من الاحوال
و انى عمرى ما ارفض شىء من ربنا
سواء فى الخير او فى الشر
ليسه فاكرك يا حبى الاول والاخير
اللى ما قبلك حب ولا بعدك حب
و لن انسى قولك كن صدقا و مكدبيش
و محبيش الكذابين هتلاقى ربنا جنبك فى كل مكان


والان


اكتب بيدى وقلبى يتحرك من شوقى اليك
يا من كان يفهمنى و يهدنى الى الصواب

يا من علمنى كيف اصلى و كيف اجتهد
يا من علمنى ان الدنيا امتحان
ويوم القيامة اما ان تكرم او ان تهان

كلماتى العاجزة عن وصف شوقى و حبى اليك
اكتبها اليك فى رسالة روحانية تحملها الملائكة
الى جنن الرحمان فى يوم مماتك و يوم ميلادك



يوم ما انشقت قلوبنا
وزفت دموعنا
و شلت عقولنا
و توقفت حياتنا

يوم ما توفيت
كانه امبارح ليسه فاكرك يا ابا انا عمرى ما هنساك
و عمرى ما انسى فضلك علي و على علينا كلنا
ما نسيت سجادتك وقت الصلاة الى كانت مليانة بالدمع
ما نسيت صلاة الفجر فى الجامع جماعة فى نص الليل
ما نسيت حبك لامى و الذى هو سبب لوجدنا
ما نسيتك يا ابى و الله ما نسيت

وان نسيت ابقى قسيت
واعفو عنى انا نسيت

ما نسيت سيد الكل
ما نسيت حبيب الكل
ما نسيت صاحبى الكبير
ما نسيت الشيخ الحكيم
ما نسيت الاب العفو الكريم
ما نسيت حبك اللى فى قلوبنا و مهما تمر السنين
لولا ربنا و انتا ما كنا بقينا شىء يذكر
فانتا الاب .....و القائد.... و القدوة.... و الحب الكبير.....
و الحضن الدفىء ......و بحر الكرم ......و نهر الحنان .

لما كنت تسهر علشان ننام
لما كنت تتعب علشان نرتاح
لما كنت بتشتغل علشان نلعب
لما كنت بتصوم علشان ناكل
لما كنت بتبكى علشان نضحك
لما كنت بتعانى المر و الالم علشان توفر حق الدواء
لما كنت ترفض تشترى ليكى و تشترى لنا
لما كنت بتحبنا واحنا بنحبك و لازنا نحبك

نعم يا ابتاه فحبك حياة
وبدون حبك لا يوجد حياة
و باشتياقى لك اعيش حياتى
وباملى فى ربنا بيوم لقياك استطيع العيش
و برحمة ربى يخفف همىو المى و حزنى

بابا !! ابوى !! والدى !! ابتاه !!
حبيبى...... روح قلبى..... سامحنى من فضلك
انا عارف انك بتحبنى
و ده كتير عليا انى عايش من دونك و مشتاق ليك
ولولا رحمة ربنا ما كنت حىء ارزق من بعدك
كان نفسى تمشى معايا مشوار حياتى الطويل

انا هنا منتظر يوم مماتى
متى يامر ربى
حتى نلتقى
نلتقى من جديد
ونجلس
نجلس نتحدث
نتحدث من جديد

والله روحى اشتاقت لك و لقلبك يا ايتاه :(




الأربعاء، فبراير ١٣، ٢٠٠٨

الكنز (ملحمةالفلاحين)

ولد زكي يتيما وترك له أبوه سبعة أفدنة ، تعد بمقاييس القرية ثراء ليس فاحشا ولكنه كاف ليعيش حياة الفلاحين الأثرياء فيكون عنده بدل الحمار اثنان واحد ضخم مهيب للمشاوير المهمة وآخر هزيل للذهاب للحقل وتحميل البرسيم وما يخرج من الحقل عليه ، بالإضافة إلى امتلاك بهائم تساعده في العمل بالسبعة أفدنة التي تعد مساحة شاسعة ، والاستفادة من خيراتها ، واهتمت أمه بالمحافظة على ثروته من أطماع أعمامه ورغم حبها له علمته شؤون الفلاحة حتى يستطيع أن يدير أملاكه حينما يكبر غير أنها لم تتركه يعمل بيده بل كانت تكتفي بأخذه للأرض ليتابع سير الزراعة ويعلم مراحلها المختلفة
كان يذهب معها وهو صغير راكبا الحمار وتجره أمه إذ يبدو عيبا أن تركب امرأة الدواب وتزاحم الرجال في هذا كان يركب الحمار على صغره بمهارة ويمسك بيده حبلا طويلا يجر به جاموسة تسير خلفه وأمه تمسك بمقود الحمار ذاهبة إلى الأرض وفي ظل شجرة الكافور بجوار قناة صغيرة تفرش حصيرة من الخوص تجلسه عليها ، كان الأجراء قد سبقوها إلى الأرض لحصد القمح فالمعروف أن حصد القمح لا بد أن يبدأ مبكرا جدا قبل أن يشتد لهيب الشمس فيزداد قش القمح حدة تجرح الأيدي وتأكل في الأجسام لذلك يبدؤون حصاده مبكرا وهو ما زال مشربا بالندى فيكون لينا رفيقا بأيديهم ، تبدأ الأم في جمع الحطب والسنط وليف النخيل لتصنع الشاي للفلاحين الذين يعملون في أرضها ، تفك منديلا كبيرا وتخرج منه بعض أرغفة الخبز الجاف والجبن القديم وحبات الطماطم ليفطر زكي بينما هي منشغلة بعمل الشاي ثم تنادي أصغرهم سنا صبي في مثل عمر زكي يعمل مع الرجال في حصد القمح تناوله صينية الشاي والبراد وكوب الشاي ليسقي الرجال في أماكنهم ، ثم تبدأ في قص بعض الحشائش النابتة بجوار القناة والترعة لتطعم دوابها ، تفتح وعي زكي على كل هذا واختزنته ذاكرته حتى بلغ مبلغ الشباب فسارعت أمه بتزويجه صيانة له ولكي تجد من تساعدها في أعمالها فقد ضعفت منها القوى وأنهكها متابعة سير الزراعة وهي لم تتعود هذا في كنف أبيه ، تزوج زكي مبكرا من خطبتها له أمه ولم يمر عام حتى أنجبت له ولدا سماه إبراهيم ، وفي نفس هذا العام ألحت عليه زوجته أن يتزوج عليها بأخرى تحمل عنها عبء إشباع رغباته فقد كانت تشتكي من فحولته الزائدة وبالفعل تزوج للمرة الثانية وفي هذه المرة كانت زوجته هي من خطبتها له لا أمه وانضمت أخرى إلى الدار ، مر عام فرزق بولد آخر سماه عبد الرحيم غير أنه استأذن زوجتيه ليتزوج بأخرى ، فقد وجد في الأمر متعة تحولت بعد ذلك لإدمان ......تزوج زكي للمرة الثالثة من بلدة أخرى ولم يطلق أيا من زوجتيه السابقتين بل بالعكس كانتا عنده في أعز مكان وهذه المرة لم يصبر حتى انقضاء العام فأكمل نصابه الرباعي وذريته تتكاثر وأرضه تتناقص ، في المرة الخامسة حين أراد أن يتزوج قام بعمل اقتراع بين الثالثة والرابعة ليطلقها ويتزوج الخامسة ، كانت زوجتاه الأوليان في مكان مصون لديه وما بعدهما قابل للتغيير ، لم يكف زكي سليمان عن الزواج والطلاق ، ولم يخل يوما من أربعة ، ولم يحاول أن يطلق زوجته الأولى ولا الثانية ، تزوج ستة عشر امرأة فيما يحكيه العارفون ، وتخطت ذريته المائة وخمسين صار عميد العائلة يقولون عائلة زكي رغم أن الفرد في مجتمع القرية لا يكون عميدا للعائلة سوى بعد خمسة أجيال على الأقل ، انتشرت ذريته في شتى البلاد لم يكن يعرف العدد الفعلي لأولاده وكان يجهل كثيرا منهم حين أرسل الخولي ليكتري له أنفارا من القرى المجاورة ليعملوا في أرضه كان أبناؤه من ضمن العمال المكترين للعمل في أرض أبيهم ، قال أحد أبنائه لأخيه : انظر جيدا يا أخي ، أليس هذا أبانا ، يتندر بها الناس حتى وقتنا هذا ، تناقصت مساحة الأرض حتى صارت بضعة قراريط معدودة ، بدأ يعاني شظف العيش ، اضطر للتخلي عن زوجتيه الثالثة والرابعة لتخفيف المسؤوليات ، وبدأ يفكر كيف يستعيد أرض والده ، والأهم من هذا كيف يستطيع أن يتزوج مرات أخر ، وهنا اتجه نظره تجاه أكبر أبنائه .....
تمثل له طريق الخلاص وتحقيق الأحلام والثراء الواسع في ابنه إبراهيم ، إنه لا يحب الزراعة ولا العمل في الأرض ولم يفلح في تعلم أي صنعة ولم يفلح في التعليم ، مع أن حظه من الذكاء كبير جدا غير أنه كره جو المدرسة وتعنت المدرسين وكره تعنت أرباب الصناعات وقسوتهم معه فكان ينتقل من صنعة لأخرى ولم يجد في إحداها ما يحقق له طموحه ، منذ أيام كلمه ابنه على السفر لإيطاليا ، تعجب الأب وتساءل لماذا إيطاليا تحديدا وأين هي تلك البلد ؟ لماذا لا تسافر للسعودية كابن عملك أو للخليج كفلان وفلان ؟ أجابه بحدة : ألا تعلم كيف يتعامل العرب مع المصريين ، إنهم يعاملونهم هناك كأنهم عبيد اشتروهم بمالهم ، يسخرونهم في جميع الأعمال ويرمون لهم الفتات الذي يتقبلونه شاكرين نعمة السيد حتى فتياتنا يتزوجوهن ويسافرون بهن كجواري وخدم لزوجاتهم هناك ، أنا لا أقبل مثل هذا وقد تركت العمل لدى أصحاب الورش لأني رفضت تحكم صاحب العمل في ؟
قال له مندهشا مما يسمع : وهل تظن العمل في تلك الدولة التي تقول عليها يختلف عما تقول ؟
قال له : إنهم خواجات يحترمون الإنسان ويقدرون قيمته ، وحتى لو عاملوني بالسخرة فعلى الأقل هم خواجات أفضل من أن يستعبدني أخي المفروض أنه ند لي .
تعجب أبوه مما يسمع وسأله : من أين أتيت بهذا الكلام الكبير الذي يشبه ما نسمعه في التلفزيون وأنت لم تكمل تعليمك ، ثم كيف ستسافر أوربا وأنت بلا أي شهادة ؟
قال : صحيح أني لم أكمل تعليمي ولم أحصل على شهادة ولكني أجيد القراءة والكتابة ، وهذا ليس كلاما كبيرا يا أبي ، إنهم يرددونه دائما في الأفلام العربية وأشرف صاحبي يشرح لي ما لا أفهمه وقد تعلمت منه الكثير .
قال له : ليتك فلحت مثل أشرف ، إنه في آخر سنة في كلية الهندسة وسيتخرج هذا العام مهندسا يحق لأبيه أن يفتخر به .
ضحك إبراهيم وقال له : أعدك أنك ستفخر بي يا أبي وسترفع رأسك عاليا ولكن ساعدني في تحقيق طموحي للسفر .
قال له : كيف ستسافر لهذه البلاد التي لا نعرف لها طريقا وماذا ستعمل هناك وأنت لا تجيد أي صنعة ؟
قال له : يوجد شخص تعرفت عليه له مكتب تسفير للخارج ، سيأخذ 25 ألفا ويسفرني لإيطاليا ، سوف أسافر إلى ليبيا ومنها إلى تونس ثم أستقل سفينة بضائع من هناك تبحر قرب شواطئ أوربا ، ثم يقذفون بنا في الماء بالقرب من السواحل فنسبح حتى الشاطئ ، وهناك سأشق طريقي ، إنه يقول لي أن العمل هناك بالساعة والأجر باليورو .
قال له : ما هذا اليورو أهو أكبر من الجنيه ؟
قال : أكبر منه بكثير ، في خلال سنة واحدة يا أبي سأجعلك تمتلك أرضا تفوق أرض العمدة ، والمال يا أبي يصنع الوجاهة بل ربما جعلوك عمدة بدلا منه حين تمتلك أرضا أكثر منه .
سبح خيال زكي مع أحلامه هذه وتخيل نفسه عمدة يلبس العباءة الكشمير الثمنية ، ويمسك عصا أبنوس ، ويقف الخفر على باب داره ويدعي للفصل في الخصومات وحل النزاعات ، ويصاهر أي بيت شاء ويتزوج من تعجبه ، ابتسم حين داعبته هذه الأحلام ولمح ابنه ابتسامته فعلم أنه استطاع أن يضرب على الوتر الحساس عند أبيه فسأله مستعطفا : ماذا قلت يا أبي هل ستعطيني المبلغ المطلوب ؟
أعادته عبارة ابنه إلى أرض الواقع فتساءل بقلق : إنه مبلغ كبير والرحلة محفوفة بالخطر وأنت ابني الأكبر أخاف عليك يا ولدي .
قال له : لا تخف يا أبي فأنا أجيد العوم أفضل من أي أحد حين كنا ننزل الترعة ونلعب الأستغماية لم يكن أحد أقراني يستطيع أن يمسكني .
قال له الترعة غير البحر الكبير يا ابني إنه يهزم السفن العملاقة وأنت ستكون كقشة وسط الأمواج .
قال له : من يجيد السباحة لا يشكل فارقا لديه أن يسبح في الطشت أو في المحيط .
أجابه والده : دعني أفكر .
استعاد الحاج زكي كل هذا الحوار حين رأى أنه يسير نحو الفقر وأن أرضه تتناقص بسرعة كبيرة بدلا من أن تزيد وقرر أن يغامر بآخر ما يملك سيبيع كل أرضه المتبقية ليجعل ابنه يسافر فإما خسر كل شيء أو ربح كل شيء ، وما دامت أرضه تتناقص وسوف يخسرها على أية حال إن لم يكن اليوم فغدًا فليقامر بها إذن إذ ربما يبتسم له الحظ ثانية ، استخار الله وارتاح لما وصل إليه وباع ما تبقى له من أرض وسلم المبلغ لابنه الذي شرع في إجراءات السفر ولم يمض شهر حتى حزم ملابسه وتوكل على الله وسافر .....
عانى الحاج زكي فترة كان يشكو خلالها ابنه لطوب الأرض كما يقولون شاكيا عقوق الولد الذي باع أرضه له ولم يرسل له شيئا ، ثم يختم شكواه بمرارة قائلا : أنا فقط أريد أن أعرف أهو حي أم مات فأتلقى العزاء فيه وأفقد الأمل ، أنا أريد ابني ليتني لم أوافقه .. بطبيعة الحال يحاول الآخرون تعزيته وتشجيعه على التحلي بالصبر وأن يعطي الولد فرصة حتى تستقر أموره ..
استمر هذا الحال شهورا وبعد ذلك بدأت الأموال تنهال على الحاج زكي وبدأ يشتري الأراضي ويجدد الدور والنساء أيضا مستبدلا بعبارات الشكر والثناء على الولد البار كل ما كان يقوله سابقا ، صار ثراؤه ظاهرة اجتذبت الأنظار نحو الحلم ، السفر لبلاد الغرب بلاد الخواجات ، الأموال التي بلا حساب ، والأجر بالساعة ، بعيدا عن غطرسة شيوخ الخليج واستعبادهم ، بدأ الجميع يتقرب للحاج زكي ويسأل عن ابنه الكل ينتظر عودته يقال إنه لن يقيم في البلد بل سيقيم في القاهرة في فيللا تليق به ، وربما عاد بزوجة من بلاد الغرب ، كثرت التكهنات وما زالت الأموال تهطل على الحاج زكي ومظاهر الثراء تزداد حتى صار أثرى من عمدة البلد ولديه أرض أكثر منه وفكر الكثيرون أليس أحق بمنصب العمدة من الحاج طه الحالي ، العمدة نفسه صار يحسب له حسابا ويزوره مهنئا بزيجته الجديدة أو بمولوده الجديد ، وهو بالتالي يدعى في مناسبات العمدة المختلفة ، صنع المال له المكانة التي يتوقعها ، بل وابتكر أسلوبا جديدا جعله موضع تزلف من الكثيرين ، كان يشتري الأرض بضعف ثمنها ويدفع بسخاء في المناسبات المختلفة ، أسلوبه هذا أدى إلى ارتفاع أسعار الأرض كلها صار سعر متر الأرض في البلد أغلى منه في القاهرة نفسها أو أي مكان آخر الكل يقول لماذا أبيع أرضي بكذا وفلان باعها بكذا وأرضي أفضل من أرضه في فترة وجيزة صار من كبار الملاك وبعد فترة سرى الهمس بين الفلاحين ما سر هذه الثروة ، هل تمطر بلاد الغرب ذهبا ، بعدة حسابات بسيطة لمظاهر الثراء والنقود التي تخرج من خزانة الحاج زكي ناهيك عن التي تدخل كانت الأرقام غريبة ليس معقولا أن يبلغ أجر ابنه الذي بلا شهادة حتى عشر هذا المظهر ، وبدأت الأقاويل تنتشر ، إن الولد ليس مسافرا بالخارج لا ريب أنه في القاهرة وعملية السفر هذه تمويه ، هل رأى أحدكم خطابات تصل إلى أهله ، الأستاذ إبراهيم موزع البريد ها هو قادم فاسألوه إن كان قد جاء أي خطاب للحاج زكي من الخارج أو حتى من الداخل ، إنه يرسل أمواله مع بكوات يدخلون سراي الحاج زكي يركبون سيارات فخمة لم تعرفها القرية من قبل ، ثم بدأت الإشاعات أنه يتاجر في المخدرات ، قال البعض الآخر كلا حتى المخدرات لا تدر هذا الدخل وقال البعض بل يتاجر في السلاح ، ونفى هذا الرأي فريق ثالث كان هو الأغلبية : لقد عثر على الكنز ......منذ بضعة أعوام هبط القرية رجل غريب أعمى يتوكأ عصا ، لما وجدوه لم يغادر المسجد اقترب منه بعضهم وسأله عن بلده وسبب قدومه ، أجاب بأنه غريب له ضالة ينشدها ويبحث عنها في البلاد ، سألوه من أين هو ؟ فأجاب بأنه من أهل المغرب في الحال رحبوا به وعرض عليه الجميع استضافته شأنهم مع أي غريب لا سيما إن كان من الأشقاء العرب ، كان من نصيب الحاج زكي استضافته بعد أن أقسم بحرمة زوجاته الأربع عليه إن لم ينزل في داره ، كان اسمه الشيخ محمود كما أخبرهم بنفسه ، ولكن الغريب في الأمر أنه بمجرد دخوله الدار ورأته ابنتة الحاج زكي حتى صرعت ابتسم الشيخ محمود وقال : احملوها إلي ، وأحضروا لي كوب ماء ، آتوه بما طلب قرأ على الماء بعض التعاويذ لم يفهموا منها شيئا ثم نضحها بالماء فقامت الفتاة كأنما نشطت من عقال بعد أن كانت تصرخ ، أكب أبوها على يد الشيخ مقبلا وقال : أنت رجل مبروك لقد جعل الله شفاء ابنتي على يدك .
قال الشيخ محمود : منذ متى تأتيها هذه الحالة ؟ قال منذ أربع سنوات وعندما يأتيها الصرع تمكث يومين ذاهلة وتصرخ ، ذهبنا بها إلى الأطباء وإلى الشيوخ وإلى السحرة وإلى الأولياء ولا فائدة ، وذهبت بها إلى "حابس الوحش" كثيرا ، كل هذا ولا نتيجة حتى فقدت الأمل فيها .
سأله الشيخ محمود : وما حابس الوحش هذا ؟ أهو شيخ ؟
ضحك الحاج زكي وقال : لا تؤاخذني نسيت أنك غريب ، حابس الوحش هذا مكان ناءٍ به صخرة مبروكة تقع أسفل تل رملي يذهب إليه المرضى والممسوسين والمسحورين إذا كان بهم جني فإنهم يقعون من فوق التبة ويتدحرجون حتى يصطدموا بالصخرة فيحترق الجني ويفيقون ، إنه مكان مشهور تؤمه الناس أفواجا من كل البلدان والنواحي . ولكنك شيخ مبروك لقد عالجت ابنتي في ثوان .
قال الشيخ محمود : هذا شيء يسير بالنسبة لأهل المغرب .
انتشر الخبر بسرعة في أنحاء البلدة فلا أسرار في القرية ، في خلال الأيام التالية تحول بيت الحاج زكي إلى مشفى ، وأفردت حجرة للشيخ محمود كان يعالج فيها المرضى ، قصده أصحاب الحالات المستعصية من مسحورين وممسوسين ومتلبسين بالجان ومصروعين ومربوطين عن أزواجهم ، ولم يبق في القرية مريض بهذه الأمراض إلا شفي على يد الشيخ محمود وتوالت الهدايا والإكراميات إلى منزل الحاج زكي من كل مريض شفي ، وبدا الشيخ متعففا عن كل هذا مكتفيا بكرم الحاج زكي .
خلا الحاج زكي يوما بالشيخ محمود بعد انصراف آخر مريض وقال له : ألم يأن الأوان لتخبرني عن ضالتك يا شيخ محمود لعلي أساعدك في العثور عليها .
أجابه الشيخ محمود : بلى آن الأوان ، اعلم أن ضالتي هي الكنوز فأنا أفتح الكنوز وبلدكم هذه تسبح فوق بحر من كنوز الفراعين التي يطلقون عليها آثارا .
تعجب الحاج زكي وقال : بلدنا هذه فيها كنوز ؟
قال : نعم ملأى بالكنوز ولكنها تحتاج لمن يفتحها .
قال له : وكيف عرفت يا مولانا ؟
قال : لا أخفي عليك أني أسخر الجان وهم من ساعدوني في علاج أهل القرية المصروعين فلا يخرج الجان إلا الجان ، ومن معي ليسوا جنا عاديين بل هم من ملوك الجان الذين لهم أمر مطاع على بقية الجن والعفاريت ، ومن يعصني فإني أحرقه .
انتابت الحاج زكي ارتجافة وقال بصوت حاول أن يخفي ارتعاشته التي لم تخف على الشيخ محمود : وكيف تفعل ذلك ؟
ابتسم الشيخ محمود وقال : هذا علم كبير يا حاج زكي ، هل أنت خائف ؟
تظاهر الحاج زكي بالشجاعة -وإن كشفه ارتباكه- قائلا : لا لست خائفا .
قال له : لقد أكلت زادك يا حاج زكي ولا يمكن أن أضرك بل أنا لا أضر مسلما أنت ترى أني أستخدم علمي في الخير لا في الشر، ثم إن هذا شيء تافه بالنسبة لي ولم أمارسه إلا إكراما لك لأنك أكرمتني ، غير أني كما قلت لك عملي هو البحث عن الكنوز وفتحها .
اطمأن الحاج زكي قليلا وقال له : وأين هذه الكنوز يا مولانا ؟
قال له : دارك هذه تحتها كنز يا حاج زكي ولو لم تقسم أنت على استضافتي لاخترتك أنت لأكون ضيفا عليك .
هتف الحاج زكي : وماذا ننتظر هيا نحفر لنستخرجه .
ابتسم الشيخ محمود قائلا : ليس الأمر بهذه البساطة يا حاج .
قال له : كيف ؟
قال : ماذا تعرف عن الكنوز يا حاج زكي ؟
أجابه : كنوز يعني ذهبا وأموالا وجواهر مثل مغارة علي بابا .
ابتسم الشيخ محمود قائلا : كلا يا حاج زكي ، الكنوز هذه هي مقابر الفراعنة تحوي آثارا مجرد تماثيل هل زرت القاهرة يوما ورأيت تمثال رمسيس .
قال : نعم .
قال : المقابر تحوي مثل هذا تماثيل وآنية وبعض الحلي الذهبية ، غير أن قيمتها ليست في وزنها بل في تاريخها ، هذا الأشياء تهرب للخارج يا حاج زكي يشتريها الخواجات بالملايين ، أنت لا تعرف أن تمثالا صغير لا يتعدي طوله الذراع يباع بخمسة وعشرين مليون جنيه على الأقل والكنز الموجود هنا أعواني يقولون أنه مليء بالتماثيل والحلي . يعني أكثر من مائة مليون يا حاج زكي .
فغر الحاج زكي فاه انبهارا بحجم المبلغ وقال : وما المشكلة الآن يا شيخ محمود ؟
قال : بداية يا حاج زكي لتكون الأمور واضحة فإني سأعقد معك اتفاقا ، وهو العرف المتبع في سائر الكنوز ، ثلث المبلغ يكون للشيخ الذي يفتح الكنز والثلث لصاحب الأرض التي يوجد بها الكنز ، والثلث لمن يمول عملية الحفر لأنها تكلف مبلغا كبيرا .
قال الحاج زكي : سأمولها هنا وآخذ الثلثين .
قال : بإمكانك ذلك وتستحق الثلثين ولكن الأمر مكلف .
قال الحاج زكي : لا تقلق سأبيع أرضي كلها أنت تتكلم عن ملايين يا شيخ محمود والأمر يستحق ولكن ماذا سنفعل بهذه التماثيل بعد استخراجها وكيف سنبيعها ؟
قال : لا تقلق من هذه الناحية أعرف بعض التجار الذين يشترونها ويقومون بتهريبها ، ولا تقلق هم يستلمون في محل الكنز ويتولون هم النقل وكل شيء ويدفعون الثمن نقدا .
قال : وماذا عن الحكومة يا شيخ محمود ، أنت تعلم أن الاتجار بالآثار أو تهريبها جريمة في القانون .
ابتسم الشيخ محمود قائلا : ما رأيك في أن الآثار تنقل أحيانا بسيارات الشرطة وفي حماية الشرطة نفسها ، أنت لا تعلم أن وراء هذه العمليات رجال كبار جدا جدا ، بل هو رجل واحد يحتكر هذه العمليات في السر رجل فوق القانون وفوق كل رجال الدولة رجل يمتلك نصف شركات ومصانع البلد بسلطة والده ، ولكن احذر أن تقول حرفا من هذا يا حاج زكي وإلا ذهبت وراء الشمس ولن يعرف حتى الجن مكانك .
ارتجف الحاج زكي وقال : لا تقلق وهل هذا الكلام مما يصح إفشاؤه ، ولكن هل أنت متأكد من أن الكنز تحت داري مباشرة؟
أجابه الشيخ محمود : لقد قضيت الأيام السابقة لأتأكد من هذا ، اسمع يا حاج زكي ألم تر ديكا أحمر فوق سور دارك يصيح كل ليلة .
قال : نعم رأيته كثيرا ولم أستطع إمساكه وليس هو من دجاج البيت وكان يختفي حين أقترب منه .
قال له : هل حفرت طلمبة ماء في دارك ؟
قال : نعم .
قال : ماذا وجدت حين حفرت ؟
قال وجدت تربة حمراء وفخارا مكسورا .
قال : هذه هي العلامة يا حاج زكي ، ولقد تحسست أرض دارك بعصاي ليلا وتأكدت أن الكنز تحت دارك غير أن المشكلة أن الباب قد لا يكون هنا بل سقف المقبرة .
قال : فلنحطم السقف يا شيخ محمود .
ابتسم الشيخ محمود قائلا : ولا الديناميت نفسه يا شيخ محمود قادر على اختراق سقف المقبرة الجرانيتي ، إنها من صنع الفراعنة قوم تفوقوا على الجن أنفسهم وإن لم تفتح المقبرة من الباب فلا سبيل لفتحها أبدا ، وليست المشكلة في هذا فقط بل الباب نفسه مطلسما بالسحر وعليه أعوان من الجن ألم تسمع عن لعنة الفراعنة ؟
قال : بلى ولكن ما هي لعنة الفراعنة يا شيخ محمود ؟
قال : أنت تعلم أن الفراعنة اشتهروا بالسحر بل لقد تحدى فرعون مصر سيدنا موسى وجمع له أمهر السحرة كما هو مذكور بالقرآن ولقد استخدم الفراعنة السحر في حماية مقابرهم وإقامة الأعوان من الجان حراسا على الأبواب بالإضافة إلى أن هواء المقبرة فاسد وسام وغبار المقبرة سام وحتى لو حالفك الحظ وعثرت على الباب وفتحت المقبرة فلن تستطيع أن تلمس الآثار فهي تحتاج لخبراء في هذا المجال يقومون بتطهيرها ، إن مهمة الشيخ أن يعثر على المكان ويتولى فتح الباب والتعامل مع الحراس ، وبعد ذلك تترك مفتوحة ثلاثة أيام كاملة حتى يتغير الجو ثم يأتي خبير من خبراء الآثار ولا تقلق فهي مهمة المشتري يقوم بتطهير الآثار من الغبار السام العالق بها ويلبس ملابس خاصة معقمة ويقدر قيمة الآثار ثم يدفع المشتري الثمن ويقوم بنقلها .
كان هذا الكلام غريبا على سمع الحاج زكي لم يسمع مثله من قبل غير أنه قال : المهم يا شيخ محمود كم العمق الذي نحتاجه للحفر لنصل إلى الكنز ؟
قال : أتوقع على بعد عشرة أمتار يا حاج زكي وإن حالفنا الحظ نصل إلى الباب وإلا سنضطر للدوران حول السقف وحفر نفق للوصول إلى الباب .
قال : ومتى نبدأ ؟
قال : حين تكون مستعدا أخبرني ، ولكن المهم أن يبقى هذا الأمر سرا بيننا .
قال له : لا تقلق يا شيخ محمود ، استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان .
في اليوم التالي كان الحاج زكي يستدعي جيشا من أولاده وما أكثرهم من البلدان المحيطة ، وبدأ يبحث في ذاكرته عن الأماكن التي يحتمل أن يكون له فيها أبناء خاصة أنه كان يتزوج من بلدان مختلفة وأسعفته ذاكرته بأسماء عشرين من أبنائه وأماكنهم وجد أنهم كافين وإن احتاج إلى عدد آخر فليسأل أبناءه أنفسهم عن إخوتهم ، وبدأت عملية الحفر على الكنز .
غير أنه بعد يومين من أعمال الحفر كان جميع أهل القرية يعلمون بكل تفاصيل الكنز فلا شيء يبقى سرا في القرية ، خاصة أن سرا يعلمه خمسة وعشرون فردا لا يمكنه أن يظل سرا ....
هزت أخبار الجرائم القرية هزا عنيفا إذ باستثناء جرائم الشرف والثأر لا تعتبر الجريمة ظاهرة وكانت كإلقاء حجر ضخم في ماء راكد ، وكان ظهور اسم القرية وظهور أسماء بعض الشخصيات في الصحف حدثا أيضا غير عادي ، وتزامن هذا مع عملية البحث عن الكنز ، طبعا اضطر الحاج زكي إلى إيقاف عملية الحفر وردم ما حفره سابقا ونفي الشائعات وقال أنه كان يحفر طلمبة مياه ، فالشرطة متواجدة بصورة دائمة والبلد في حالة غليان وترقب ومقتل الحاجة سنية هز القرية بشدة فالمرأة كانت مشهورة بالطيبة والصلاح ومساعدة المحتاج والفقير وزوجها الكهل الطيب كان مثلها ولم يكن معهما أحد آخر ، وما أثار حنق الأهالي أكثر أن يرتكب الجاني هذه الجريمة والمرأة بين يدي ربها تصلي له ، كانت جريمة مروعة بكل المقاييس وقد خططت لها القاتلة ببراعة كما عرف فيما بعد من خلال التحقيقات فقد جعلت ابنتها تستأجر منها محلا وشكت لها ظروفها الصعبة وهي تعلم أن المرأة ستقبل وكانت المرأة بها رؤوف كعادتها ولم تطلب منها مقدما ولا إيجارا مرتفعا وقد أحضرت البنت بعض أشرطة الكاسيت لتبيعها في المحل ولكن كان لها هدف آخر وهو مراقبة المنزل مراقبة دقيقة ومعرفة الوقت الذي تخلو فيه العجوز بالبيت وفعلا علمت أن وقت صلاة الظهر هو الوقت الأنسب يذهب الزوج للصلاة في المسجد وهو الوقت المفضل لدى الفلاحين للقيلولة فيه وتقل السابلة ، وفي الوقت الذي حددته المرأة لارتكاب جريمتها طرقت الباب عليها ودخلت مباشرة وكانت تلبس نقابا لتخفي به وجهها ، وجدتها تصلي فوضعت يدها على فمها وأخرجت الموسي وذبحتها ثم جردتها من مصاغها وخرجت مسرعة ، ولكن اشتبه بها عامل المطعم الذي يستأجر المطعم من نفس المرأة إذ رأى آثار دماء على ثياب المرأة فكاد يمسكها لولا أن ابنتة القاتلة شغلته وقالت له تعالى ننظر أولا ماذا حدث ودخلوا البيت ليجدوا المرأة مقتولة خرج الشاب مسرعا ولكنه لم يجد له أثرا إذ سارعت المجرمة بالاختفاء في الحقول القريبة وهناك خلعت ملابسها وكانت قد أعدت ملابس أخرى لبستها وخبأت المصاغ المسروق ثم عادت لتسأل ببراءة : ماذا حدث لم هذا الزحام ؟
أثبتت الشرطة مهارة فائقة في العثور على الجاني بسرعة وبمهارتها المعهودة في الاستجواب كان عامل المطعم والفتاة هم المشتبه بهم وأخضعتهم لاستجواب انتقلوا بعده إلى المستشفى للعلاج رغم أن عامل المطعم المسكين هو المبلغ عن الجريمة ولكن رحمة الله تدراكته إذ اعترفت البنت على أمها ولولا ذلك فالله أعلم ماذا كان سيحل بالمسكين .
لم يمض شهر على هذا الحادث إلا وقع حادث آخر مروع وهو ذبح سيدة شابة واتهام زوجها ورغم أن الشهود شهدوا بأن امرأتان منقبتان سألوا عن بيتها وأنها خرجت معهم توصلهم وأنها وجدت مقتولة بعد ذلك ولم يجدوا أثرا للمرأتين إلا أن الحكومة أصرت على أن الزوج هو القاتل وكيف لا وها هو معترف بذلك ، في الحقيقة أن التعذيب الذي تعرض له المسكين كان كافيا لجعله يعترف حتى بجرائم الحرب العالمية الأولى والثانية وكل الجرائم على وجه الأرض كما قال أخوه الذي ذهب لزيارته في المستشفى إذ لا بد من علاجه أولا قبل تقديمه للمحاكمة وإلا فسدت القضية التي لم يعلم الجاني فيها حتى هذه اللحظة .
ماذا جرى للبلد ؟ لقد اتخذ الشيطان قريتنا مسكنا له .
هكذا ردد الحاج زكي متعجبا وهو يضرب كفا بكف وهو جالس على مصطبته الطينية أمام داره وقت العصر في ظل شجرة التوت الضخمة وهو يشرب كوب الشاي المعد على نار خشب " البرتقال " ويحدث محاوره الحاج لطيف كبير العائلة .
أجابه الحاج لطيف : هذه الجرائم لا تخرج من عندنا ، هؤلاء أتوا من مصر – ومصر هو الاسم الذي يطلقه سكان البلد عندنا على القاهرة – وتلك المرأة ليس أصلها من البلد هي تقول إنها من الصعيد ولكننا لا نعرف لها أصلا ولا فصلا ، البلد ما زالت بخير يا حاج زكي .
ثم مال عليه وأسر في أذنه : ماهي أخبار الكنز يا حاج زكي ?
ار
تجف الحاج زكي قليلا ثم قال له : أي كنز يا حاج ؟
ضحك الحاج لُطَيِّف وقال : قل لي يا زكي ألا زلت تعتبرني كبيركم .
هتف الحاج زكي بحماس : طبعا يا حاج لطيف وكلمتك سيف نافذ على العائلة كلها صغيرها وكبيرها .
قال : عظيم فهل تعرفني ساذجا ؟
قال : معاذ الله يا حاج ، من يقول هذا ؟
قال : أظننتي صدقت حكاية طلمبة الماء هذه ، الكل يعرف الحكاية يا زكي ، غير أني عمك وسترك وغطاءك قل لي إلام توصلت في حكاية الكنز وأين ذهب الشيخ ؟
لم يجد زكي مفرا من إخباره ، وعامة هو عمه وهو كبير العائلة ولا يضيره أن يعلم .
قال له : تعالى ندخل المندرة فلا يصح الكلام هنا في مثل هذه الأمور .
اتجه معه الحاج لطيف للداخل في حين أمر زكي أهله بإعداد براد شاي وتحضير "الجوزة" وإشعال بعض الفحم .
قال الحاج زكي وهو ينفخ في الجمر ليتوهج ويقوم بوضعه على "حجر المعسل " : اسمع يا عمي ، هذا الرجل ليس شيخا بل هو ساحر ، بل أنا أظن أنه الشيطان نفسه وقد اختفى كأنه فص ملح ذاب لا أدري كيف ، دخلت لإيقاظه صباحا فلم أجد أثرا له ظننته بالخارج أو يقضي حاجة فانتظرته فلم يأت ، ما علينا منه فسواء كان شيطانا أو ساحرا فلن يعجزه الهروب والاختفاء ، غير أن أخطر ما في الأمر أن هذا الرجل أخبرني عن وجود كنز وأخبرني عن أمارات له تحققتها بالفعل وقد احضرت أولادي بالفعل وبدأنا الحفر ، يوما وراء يوم والحفر يزداد عمقا ولا أثر حتى وصلنا لعمق سبعة أمتار وكلما حفرنا مترا انهار التراب ثانية في الحفر فأشار علينا ببناء بئر لحماية جوانب الحفرة من الانهيار وبناء سلم حلزوني ليسهل الهبوط والصعود عليه ، وبالفعل أحضرت الطوب والأسمنت ليلا وأدخلته ولحسن حظي كان بعض أولادي ممن يحترفون البناء وبدأنا نبني جدرانا ونصنع فيها سلما وأثناء الحفر عثر أحد أبنائي على هذا يا حاج .
قال هذا وقد أخرج من طيات ثيابه شيئا ملفوفا بعناية بقطعة قماش قام بحل أربطتها وإظهارها للحاج لطيف الذي تأمل فيها وقال " ما هذا ؟
قال : كما ترى رأس تمثال يمثل كبشا . عندما اخبرت الشيخ محمود عنه قال هذه البشارة نحن الآن نقترب من الكنز ، حافظ على هذه الراس يا حاج زكي إنها وحدها تساوي ثروة .
أنصت الحاج لطيف باهتمام لما يرويه له زكي وقال : وماذا بعد يا زكي ، أكمل .
قال : واصلنا الحفر بحماس أكثر بعد أن بانت البشارة كما قال لنا الساحر وكنا نجد أثناء الحفر فخارا مكسورا وترابا أحمر كان يقول عنها الشيخ أنها أمارات للكنز وأننا نقترب ، حفرنا عشرة أمتار ولم نجد شيئا وكل هذا كلما حفرنا قليلا نقوم بسحب التراب بهدوء من تحت الجدار الدائري ليهبط الجدار ثم نقوم بالبناء عليه من أعلى ، قلت للساحر لقد حفرنا عشرة أمتار ولم نجد شيئا يا شيخ محمود ، فقال لي : انتظروا قليلا جلس يهمهم قليلا ويتلو تعاويذه ثم أفاق وقال لي الكنز على بعد مترين آخرين ، مترين فقط يا حاج زكي .
بدأنا نحفر ثانية المترين اللذين قال أننا سنجد الكنز بعدهما وفجأة اصطدمت معاول أولادي بشيء صلب أزاحوا التراب عنه ليتبين لنا أنه سطح صخري لا تعمل فيه المعاول شيئا حاولوا مواصلة الحفر وكسره غير أنهم عجزوا جميعا ، قلنا للشيخ محمود فقال : هذا سقف الكنز لقد وصلنا ولكن لسوء الحظ أتى حفرنا فوق السطح سنضطر أن نحفر نفقا حتى نصل للباب .
قلت له في أي اتجاه نحفر النفق يا شيخ محمود وما أدرانا في أي نقطة في السقف نحن واقفون ربما كنا فوق منتصفه وربما كان في طرفه هذا أو ذاك ففي أي اتجاه نحفر النفق قال : دعوني ساعة وخذوا بيدي أنزلوني أريد أن أقف فوق سطح المقبرة .
أخذنا بيده وأنزلناه جلس فوق سطح المقبرة وكان معه مجمرة وبخورا قال : اتركوني وحدي واصعدوا جميعا ، أطعناه ، أشعل بعض البخور ثم بدأ يتلو تعاويذه ، والدخان يزداد كثافة ، الحق يقال كلنا ارتجفنا رعبا ولم ندر أهو دخان البخور أم أن الجان حضروا ، المهم يا حاج بعد ساعة انقشع الدخان ونادى علينا لإخراجه .
قال الحاج لطيف : وماذا بعد يا زكي أكمل ؟
قال زكي : انتظر حتى نشرب دور شاي آخر ونشعل بعض الفحم ونرص حجري معسل ثم أكمل لك .
تابع الحاج زكي حكايته لعمه قائلا بين أنفاس الدخان المتصاعد من الجوزة الريفية العتيقة :
ثم نزلنا يا عمي وأخذنا بيده وكان مجهدا جدا ويتصبب عرقا فالتقط أنفاسه وقال لي : لدي أخبار سيئة وسارة في نفس الوقت ، جزعت وقلت له : أخبرني بسرعة ألا يوجد كنز ؟ قال : لا تقلق يا حاج زكي ولا تتعجل الكنز موجود وأنت وقفت على سطحه بنفسك وهو أكبر مما كنت أتصور بحيث يتخطى مساحة دارك هذه كلها يا حاج زكي .
انتبهت بسرعة لما يعنيه هذا غير أني قلت له : أكمل ، قال : الأمر واضح يا حاج زكي الباب ليس هن الباب شرق دارك بحوالي سبعة أمتار .
قلت له : وما العمل هل نعيد ردم ما حفرناه لنحفر خارج داري ثم إن هذا يعني أن الباب تحت دار الشيخ إسماعيل . فأجابني : لقد قلت لك من البداية يا حاج زكي أن هذه العملية تكلف مالا كثيرا ولذلك يستحق الممول الثلث وأنت قلت لي أنك مستعد لتمويلها للنهاية والآن أمامك خياران : إما أن تشتري دار الشيخ إسماعيل أو تدخله شريكا فتستحق أنت وهو الثلث باعتباركما أصحاب الأرض وتأخذ الثلث باعتبارك الممول . قلت له : وأنت تأخذ الثلث كاملا وحدك هذه ليست قسمة عادلة .
لا أدري كيف تجرأت وقلت له هذا يا عمي غير أنه التفت ناحيتي ونظر لي بعينيه البيضاوين الخاويتين من الحياة وضغط على حروف كلماته وكأنه يتكلم من قعر جب عميق وقال لي : تذكر جيدا أنك من غيري لا تستطيع أن تفعل شيئا وحتى لو عثرت على الكنز مصادفة ووصلت للباب فإنك لا تستطيع فتحه ولا أي قوى أخرى إلا عن طريق من كان مثلي وعامة نحن ما زلنا في بداية الطريق ولم تتورط في الإنفاق لنقطة عدم التراجع يمكنك أن تتراجع الآن إن كنت عاجزا عن التمويل أو تنظر ممولا آخر .
وضع الحاج لطيف كوب الشاي جانبا وهو يصغي جيدا لما يحكيه له زكي وقال : وماذا قلت له يا زكي ؟
قال : اعتذرت له عن سوء أدبي معه وقلت له لم أعجز عن التكاليف ولكن أمهلني حتى أنظر في أمري وأرى ماذا سأفعل مع الشيخ إسماعيل .
وفي اليوم التالي ذهبت للشيخ إسماعيل وعرضت عليه شراء داره بحجة أني أريد أن أضمها لداري لتوسعتها ولم شمل زوجاتي الأربع في مكان واحد بدلا من تشتتي بينهن ولكن الشيخ إسماعيل رفض أن يبيعني داره ولما ألححت عليه في الطلب قال : لم لا تبيع أنت دارك هذه وتشتري دارا أوسع أو تشتري أرضا تبنيها أنت كيف شئت أما أنا فلن أفارق داري هذه وأنا حي ، بعد أن أموت يمكنك أن تشتريها من أولادي حين يرثونها .
فكرت في الخيار الثاني وهو أن أحفر نفقا من داري إلى داره غير أن داره قديمة وخشيت من تصدع جدرانها نتيجة حفر النفق وهكذا لم يعد لدي سوى الخيار الثالث وهو إخباره ومحاولة إدخاله شريكا غير أني أعرف صلابة رأسه واستحالة زحزحته عن مبادئه ولكني لم أجد بدا من المحاولة فذهبت إليه أولا لأجس نبضه فقلت له : قل لي يا شيخ إسماعيل ما هو حكم الدين في الكنوز ومن يجد كنزا أهو حلال له أم حرام ؟
قال ملاطفا : هل وجدت كنزا يا حاج زكي ؟
قلت له : لا ولكننا نسمع عن أخبار الكنوز وكنت اريد أن اعرف حكم الشرع فيها .
قال : أما الكنوز يا حاج زكي فهي في حكم الدين تسمى ركازا والركاز هو مال الجاهلية المدفون والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه : " العجماء جبار والبئر جبار وفي الركاز الخمس " قلت له : ما معنى هذا يا شيخ إسماعيل ؟
قال : العجماء أي الدابة إذا أفسدت شيئا من زرع أو جرحت أحدا أو قتلته فجرحها جبار أي لا شيء فيه وكذلك من سقط في بئر فليس على من حفره ديار وفي الركاز الخمس أي يجب على من يجد ركازا إخراج خمسه فقط لبيت المال والباقي حلال له .
قلت له : بارك الله فيك يا شيخ إسماعيل ونفعنا بك .
نظر لي الشيخ إسماعيل بدهاء وقال : المهم يا حاج زكي عندما تخرج الخمس لا تنس نصيبي منه وضحك بشدة . فلم أدر إن كان يمازحني أم أنه يعرف ويفهم كل شيء فودعته وانصرفت ولم أفاتحه حتى الآن ، ما زلت أفكر وقد ردمت ما حفرته وأخبرت الشيخ محمود بأني لن أستطيع أن أفعل شيئا الآن حتى أعرض الأرض للبيع وابيعها وفي اليوم التالي لم أجده ، هذا كل ما حدث يا حاج لُطَيِّف وأنت بغير حاجة للتوصية بكتمان كل ما قلته لك الآن .
قال الحاج لطيف وهو يعدل عباءته وينهض : عيب عليك أن تقول هذا يا زكي ، السلام عليكم. قالها وهو يمد يده محييا ثم انصرف ولم يفلح معه إصرار الحاج زكي على تناوله العشاء معه .
البوسطة القديمة ، أحد المعالم الشهيرة في بلدي ، بناء عتيق قديم جدا ، مبني بالحجارة على خلاف بقية مباني القرية ومصمم بطريقة مختلفة عن بقية المباني الحكومية المشابهة أو على الأقل مباني البريد المماثلة ، كان يثير خيالي قديما ، إذ في جدار المبني الخارجي قطعة رخام بنية بها شق عرضي مائل لأسفل يوضع فيه الخطابات ، كنت أمر بجوارة فأتخيل أن الخطابات تهبط من هذه الفتحة فتسير تحت الأرض حتى تصل لمستلمها في يده ، فالفتحة العرضية هذه كان يخيل لي أنها موصلة لباطن الأرض مباشرة ، وهي ملساء جدا كنت أضع فيها ورقا أبيض لأتمتع بمشاهدة انزلاقها في داخل الفتحة ، المبنى نفسه في قلب القرية القديم ، بعد التوسع السكاني في القرية صارت القرية قسمان أشبه بالقاهرة القديمة والقاهرة الجديدة ، منطقة البوسطة هذه تمثل سنهور القديمة ، لذا لم يكن مفاجئا ارتباط اسمها بالكنز ، فطبقا للمعلومات التي أدلى بها الشيخ محمود المجهول كان تحتها كنز بل في المناطق المحيطة ، تسرب الخبر ، غير أن مبنى البوسطة هذا حكومي كيف يمكن التنقيب أسفله ، ولكن بقيت المنازل المجاورة له ، علم بالخبر الفلاح فتحي بركة باع داره واشترى دارا مجاورة للبوسطة ، لم يكن لديه سوى ابن واحدة وابنة متزوجة وبعد ان انتقل إلى الدار على الفور أعلن حظر التجوال على أهل البيت استعان بابنه ووزج ابنته ، ولم يغادر الدار أحد منهم كانت زوجته تخرج لتشتري ما يلزمها وتعود لتغلق الدار أياما كثيرة ولا أحد يعرف السر ، والسر أنه كان يحفر هو وابنه وزوج ابنته حتى وصلا لغطاء معدني ثقيل وضع الابن قدمه فوقه وصاح لقد وصلت للكنز ، فجأة تهاوى به الغطاء لأين لا أحد يدري كل ما رآه أبوه وصهره أنه اختفى بعد أن استدار الغطاء وأخفاه تحته هبط صهره مسرعا وقف على الغطاء حدث معه نفس ما حدث مع الابن ، نزل الأب فلحق بهم ، ألجمت المرأة لم تدر ماذا تفعل انتظرتهم يومين لعل أحدا يخرج ، لم يخرج أحد ، علمت بالمصيبة التي حدثت صرخت وشقت ثوبها ، واضطرت للاستنجاد بالناس دخل الناس أفواجا ووجدوا البئر ولكن لم يجرؤ أحد على النزول بعدما سمعوه من أن الهابط لا يصعد ثانية ، اتصلوا بالشرطة جاءت الشرطة ، هنا انتهت معلومات الناس إذ لم يسمحوا لأحد بالدخول حفروا وأخرجوا الجثث ، كانت مهشمة الرؤوس والأوصال بطريقة بشعة كما رآهم الأهالي حين كفنوهم ودفنوهم ، قيل أن الغطاء سقط عليهم فهشمهم ، تم إخراج الغطاء ، قيل إنه نحاسي ، أغلقت الشرطة الدار وتم مصادرته والتحفظ عليه وتعيين خفير عليه ولم يعلم أحد ما حدث بعدها حتى الآنالتفت مجموعة من أهالي القرية في حلقة صغيرة في دار الحاج زكي ودارت الجوزة بين الحضور وأكواب الشاي الفلاحي الثقيل ، بالطبع كانت حكاية فتحي بركة ومحاولة العثور على الكنز هي محور حديثهم ، ليست حلقة الحاج زكي فقط ، بل القرية كلها فلم يكن للصغير والكبير حديث سوى عن محاولة فتحي بركة ، البعض كان يرثي له ، والبعض كان حاقدا حتى بعد أن مات ، والبعض ينعته بالطمع والبعض ينعته بالذكاء والحكمة ومثابرته ، غير أن الحديث في دار الحاج زكي اتجه متجها آخر فقد كان عن المعوقات والخطأ الذي ارتكبه فتحي بركة وأدى إلى نهايته .
سحب الحاج زكي أنفاسا متلاحقة من الجوزة جعلت الجمر يتوهج ثم أردفها برشفة من كوب الشاي بصوت عال واعتدل في مجلسه قبل أن يقول :
يا إخواننا وهل هذا الأمر بهذه السهولة ، إذن كان الجميع بحث وعثر على الكنز ، هذه أمور لا تتم هكذا ، المشكلة ليست في عملية الحفر فهي أبسط ما يكون ، المشكلة هي بعد الوصول إلى الباب ، هذا لا يقدر عليه إلا شيخ متمكن ، وهل هناك باب بلا بواب يا إخوان ، هل سمعتم شيئا كهذا ؟ أم هل تظنون هؤلاء الفراعين سذجا وأغبياء ليتركوا كنوزهم خلفهم هكذا دون أن يتركوا أحدا لحراستها ؟
سأله أحدهم : ومن يتركونه لحراسة الكنوز يا حاج زكي وكيف تعرف هذا وأنت ليس لك لا في السحر ولا في الجان؟
ضحك الحاج زكي وقال : أنسيت أنني استضفت الشيخ محمود في داري أكثر من أسبوعين قبل أن يختفي ، لقد حكى لي عن كل شيء ، بل أخبرني على مكان الكنوز وأعرف أن البوسطة تحتها كنز ليس هذا فقط بل مقام الشيخ المغربي ، وتحت المسجد الكبير ووسط البلد مليء بالكنوز ، ليست المشكلة في معرفة المكان ، المشكلة في فتح الباب ، والباب يقف عليه أعوان وحراس من الجان ، أحيانا يتشكلون في هيئة ثعابين ، من يهبط دون أن يعرف التعاويذ اللازمة لإيقافه يقوم الثعبان بابتلاعه ، وأحيانا يظهر بصورته الحقيقية ماردا طويلا أطول من هذه النخلة وبيده سيف أطول من الجريدة من يهبط يقطع رقبته ، وقد يخطفونك تحت الأرض ولا تعود مرة أخرى ، وقد يتفننون في موتك بأي صورة تعجبهم المهم أنهم لا يمكنون أحدا من الدخول ، ولكن لو كان معك شيخ متمكن فإنه يذللهم ويسخرهم ويجعلهم طوع بنانه وإن قاوم أحدهم أو أبدى اعتراضا يحرقه ، هؤلاء الشيوخ قوم يخشاهم إبليس نفسه ، لقد حكى لي الشيخ محمود أن معه ميمونة ابنة إبليس يقوم بتسخيرها ولا تعصي له طلبا ومعه كتب صفراء قديمة جدا من كتب السحر ، مع أنه أعمى ولكنه يقرأ فيها ، سبحان الله ويعرف كل ما فيها ، سأحكي لكم شيئا ربما لا تصدقونه مرة تعثر الشيخ محمود في طرف جلبابه وكنت أشعل نارا كهذه من أجل التحضير للجوزة المهم أنه كان يحمل كتابه معه وسقط هذا الكتاب في النار ، وكنت أعرف أنه يحرص على هذا الكتاب بشدة وأنه مهم جدا لديه ولا يسمح لي بالاقتراب منه ، فجزعت وصحت : الكتاب يا شيخ محمود وقع في النار سوف يحترق وجريت لأحضر دلو ماء لأطفئ النار علنا نستطيع إنقاذ صفحات منه ولكن الشيخ محمود لم يجزع ولم يأبه وجلس يبتسم في صمت ، أحضرت الماء وأطفأت النار يا إخواني ونظرت للكتاب فوجدته كما هو لم يمس بأي سوء ، قال لي الشيخ محمود : لا تعجب فهذا الكتاب لا يحترق أبدا ففيه طلاسم ورموز تحرق الجان وتحمي الكتاب نفسه .
تعجب الحاضرون وقالوا : سبحان الله ، له في خلقه شؤون .
سأله أحدهم : يعني يا حاج زكي لو كان الشيخ محمود موجودا مع فتحي بركة كان استطاع العثور على الكنز ودخوله أليس كذلك ؟
أجاب : بلى ، إلا أن يكون خبيئة وليس كنزا .
اشرأبت إليه الأعناق وقالوا : وما الخبيئة وما الفرق بينها وبين الكنز يا حاج زكي ؟
كان الحاج زكي مسرورا بكونه العارف ببواطن الأمور بل كان يعد نفسه الخبير بهذه المسائل والوحيد الذي يحق له التكلم في هذه المسائل باعتباره استضاف الشيخ محمود أسبوعين كاملين ، ملأه هذا شعورا بالزهو فقال بلهجة الواثق : يظن شباب هذه الأيام أنهم يعرفون كل شيء لأنهم تعلموا في المدارس يقولون لك : هذه آثار الفراعنة وكل شيء لديهم آثار ، وهل هذا يدرس في الكتب والمدارس ، هذا علم بحره عميق لا يعرفه إلا أهله المتخصصون ، سل أي واحد من هؤلاء المتعلمين المتخصصين هل يعرف الفرق بين الكنز والخبيئة ربما سخر منك ، وهو إنما يداري جهله ، الكنز يا إخواني مقبرة كاملة من مقابر الفراعنة تحوي مومياء الملك المدفون فيها وتحوي أدواته الخاصة التي كان يستعملها فقد كان الفراعين يؤمنون بالبعث بعد الموت ويستعدون ليوم القيامة فيأخذون عدتهم معهم يأخذ الملك سيفه وترسه وكأس خمره وآنيته وأطباقه التي يأكل فيها وحليه الخاص ، وطبعا هم ملوك لا يهمهم الذهب وإنما يهمهم جثتهم وكانوا يخشون عليها من السرقة ويعتقدون أن الجثة إن سرقت فسوف تضل طريقها إلى البعث ، لذلك كانوا يحتاطون جدا لهذه المسألة ويصنعون أكثر من قبر وهمي ويضعون الحراس على المقابر ، هذه هي الكنوز ، أما الخبيئة فهي وديعة كان الملك أو الكاهن أو أي ثري منهم يملك مالا وذهبا وجواهر يخاف عليه من السرقة فيدفنه في مكان ما ويضع عليه طلسما خاصا لا حراسا وربما وضعوا حارسا أو اثنين ويمكن أن يملوا وتركوا المكان هذه الخبيئة أي شخص يمكن أن يعثر عليها أي شخص .
.......
نشأت قصة الحب بينهما على استحياء المراهقين ، محفوفة بعادات أهل الريف مخاطرها شتى كان عادل ومنى جيرانا يفصلهما بيت واحد لذا كانا يكتفيان بالنظرات فوق الأسطح بعيدا عن أعين الرقباء ، تطورت بعد ذلك لتلويح بالأيدي ، ثم صارت مواعيد ثابتة للصعود فوق السطح ، مرة للمذاكرة أو تجفيف الثياب المغسولة تحت أشعة الشمس فوق السطح، حتى في وقت القيظ في أشهر يونيه ويوليو ، ذاهلين عن حرارة الجو ، مأخوذين بحلاوة الحب ، تجرأ وكتب لها خطابا ، لم ترد عليه ، كتب الثاني والثالث ، ولم يكن مصيرهما بأفضل حالا من سابقيه ، ذهب لبه إذن ما معنى هذه النظرات التي تطورت لابتسامات ، أرسل الرابع وهدد بالرحيل إلى القاهرة ، وعدم العودة للقرية ، جزعت لفكرة سفره واحتمال عدم رؤيته إلا نادرا ، فكتبت الرد ، سطورا مقتضبة غير أنها كانت تكفيه على أية حال والمحب يقنع بأقل القليل ويتكفل خياله بتضخيمه وبناء الجبال والقصور والهضاب من هذه الذرات القليلة المتناثرة ، تشجع وطلب أن يلتقيها ، فزعت فزعا شديدا من طلبه ، غير أنها اضطربت وظلت تتجاذبها أمواج الرفض خوفا من أعين الرقباء وحلاوة اللقاء ، ظل يضغط عليها ، وافقت وقابلته في أقصى القرية بجوار " المصرف " القديم حيث تصب فيه مياه الصرف الزراعي التي تصب في النهاية في البحر الكبير ، طريق شبه مهجور خاصة وقت الظهر حين يشتد لهيب الشمس وهو الوقت المفضل لدى الفلاحين للقيلولة ، بل هو شبه مقدس لديهم ، هذا الوقت الذي كان يخوفنا آباؤنا ونحن صغار من الخروج فيه للشارع لأن العفاريت والجن تسرح في هذا الوقت وربما تخطف الأطفال الصغار ، كنا نخاف ونقبع في بيوتنا ، غير أن الخوف من الجن لم يكن له مجال في مثل هذه العواطف الملتهبة بل لو فتشنا في قلبها لوجدنا أنها تخشى أباها ألف مرة من خشيتها لكل المردة والجان مجتمعين ، بل إنها لتختار رؤية إبليس في هذا الطريق الموحش عن أن ترى أباها أو أحد معارفها ، ولو اقتربت ليس كثيرا لأمكنك أن تسمع دقات قلبها وترى حبات العرق الملتمعة على جبينها ليس من حرارة الشمس بل من الخوف والحياء ، كانت تمشي أقرب للهرولة وتقول له : لا تقترب جدا بل امشي بحذائي على الجانب الآخر حتى لو رآنا أحد لا يظن أننا نمشي معا ، ضحك لسذاجتها غير أنه لم يكن يملك إلا أن يطيعها وهو يقدر أنها المرة الأولى ، لم يقل لها أكثر من الكلمة التي يتمنى كل عاشق سماعها ، ورغم سعادتها لسماعها إلا أنها لم تستطع أن ترد الرد الذي يريحه ويهون عليه لحظات الفراق ، ألح عليها ، أقصى ما استطاعت أن تفوه به : وأنا أيضا . اكتفى بهذا قال لها : ستكونين لي ؟
هزت رأسها إيجابا ، طلب منها أن تقولها : قالت على استحياء : سأنتظرك .
لم يفهم عادل لماذا وافقت على الزواج من الحاج زكي رغم هذا الوعد ، غير أن أهل القرية كانوا يفهمون فمن يرفض أموال الحاج زكي الطائلة خاصة مع فقر والدها المدقع ، أما رفضها أو قبولها فهو بلا قيمة ، وهل للبنت رأي في الزواج ؟!
حمل عادل متاعه القليل وهاجر إلى إيطاليا ليلحق بابن الحاج زكي في رحلة البحث عن الملايين .
نتشرت قصة فتحي بركة في القرية كلها انتشار النار في الهشيم ، ليس لأنها مادة شيقة للتسلية والقص ولكن لأنها فتحت باب الطموح والأمل أمام الجميع ، وانهالت عروض شراء البيوت في وسط البلد على سكان القرية ، وبمبالغ تفوق التصور ، لم يكن التفسير الذي لم يصرح به أحدهم غامضا على أحد غير أن الكل لا يريد أن يصرح ، البعض راوده الأمل في أن يجد الكنز تحت داره ، والبعض سخر ظاهريا من الفكرة غير أنه في قرارة نفسه مقتنع بها ولكنه لا يريد أن يتعب نفسه في البحث ، أو يؤمن بالمثل السائد أنها لا تأتي لمن يحسب لها ، وأنها مسألة حظ تأتي صدفة على غير موعد ، غير أن القائمين على الكنيسة القديمة كان لديهم رأي مخالف ، وبلدتنا رغم صغر حجمها إلا أن بها كنيستين إحداهما قديمة جدا تمر بجوارها فلا تعرف أنها كنيسة سوى من جندي الحراسة والخفير الواقفين أمام بابها الخشبي القديم المتهالك ، من الخارج تأخذ شكل بيت قديم له سور طيني وباب خشبي عتيق وأمامه تكة خشبية منتشرة في القرة يفرش عليها فرو الغنم وتتخد مكانا للجلوس وتوضع أمام المنزل ، في الصيف يحلو لنا الجلوس على هذه المقاعد أمام أي منزل كان لا يهم فأهل الدار يضعونها أمام المنزل لعابر السبيل ومن أراد أن يستريح وبعضها أمام الترعة ، وكان مجلسنا المفضل على تكة الحاج لطيف عم زكي سليمان لأنها كبيرة ومفروشة بالجلود المدبوغة يدويا بعد الأضاحي يقومون بتجفيف جلود الذبيحة وتمليحها ثم استعمالها فراشا أو وطاء بالإضافة إلى أن تكته يضعها أمام الترعة مباشرة وبيته ناء بحري البلد فلنعد إلى حديثنا عن الكنيسية القديمة ، منظرها يلهب الخيال خاصة أن هذا الباب لا يفتح إلا نادرا ولا تقع عينك على ما يدور بالداخل ، كما أن مساحتها كبيرة جدا يبدو هذا من السور الكبير الذي يحتل نصف الشارع وحده ، حلمت كثيرا وأنا صغير بدخولها لمعرفة ما يدور بالداخل من أسرار ، الكنيسة الأخرى أكبر حجما بكثير ومبنية حديثا بسور خراساني مهيب وبوابة حديدية عملاقة ، وقباب عاليه يعلوها الصليب غير أنها لا تثير في النفس أي خيال فبابها مفتوح غالبا ويمكنك أن ترى من داخل البوابة ساحة كبيرة خالية ومبنى الكنيسة ذاته الذي يضم مكان العبادة ومكتبة ، استطعت دخولها مرة واحدة لإشباع فضولي الذي يكاد يوردني المهالك فوجدتها من الداخل أشبه بنادي به مكتبة وصالة تنس طاولة وأماكن لم يساعدني الوقت لدخولها إذ طلب مني الخفير بكل هدوء أن أغادر المكان فقد اكتشف الأقباط أني مسلم وأنهم لا يرحبون بوجود المسلمين بينهم ، كنت صغيرا ، وكنت أتوقع خطرا أكبر من هذا فحمدت الله أن هذا أقصى مطالبهم إذ كنت أتخيل أني يمكن أن يحبسوني بالداخل في سرداب لا أرى من خلاله نور الشمس وأظل فيه حتى الممات ، لا أدري لم تسبح بي الذكريات بعيدا عن الموضوع مما يضطرني لإيقاف سيلها المنهمر كل مرة حتى لا أخرج عن الموضوع .
انتشر الخبر بسرعة أن النصارى يرغبون في عمال لإعادة ترميم الكنيسة القديمة ، لم يتقدم أحد ، قال بعضهم : أجوع ولا أعمل في كنيسة ، وبعضهم انتابته هيبة من دخول المكان ، لم يقبل العمل إلا شاب فقير يتيم من عائلة النجار ينفق على والدته وإخوته وافق على العمل معهم ، طلبوا منه أن يحفر في مكان ما فرفع فأسه وظل يعمل حتى المغرب ، كانوا يجزلون له الأجر وكان سعيدا بهذا يذهب كل يوم باكرا ولا يعود إلا بعد غروب الشمس ويحكي لأمه عما يراه بالداخل وعن الملكوت الكبير والفضاء الرحب داخل الكنيسة ، كانت الأم تحاول أن تخفي قلقها عن ولدها وتسأله أن يحاول إنهاء العمل سريعا لديهم ، فيرد ضاحكا أتمنى ألا ينتهي العمل سريعا ، فالرزق وفير يا أمي والمسؤولية كبيرة ، كان سعيدا وهو يقدم لأمه كل يوم الجنيهات التي يتحصل عليها من العمل هناك ، لم يكن صاحب أرض تدر عليه دخلا ولا صاحب صنعة ، بل كل راسماله هي عافيته وصحته وإن أصابه مرض ما ظلوا جوعى ، إخوته كلهم صغار لا يستطيع أن يحمل أحد معه المسؤولية وهو يشعر بثقلها ، ولذا لم يكن يتردد عن أي عمل في أي مكان يبذل فيه جهده وشبابه ويستنزفه في الأعمال الشاقة حتى يطعم أفواها مفتوحة على الدوام ، غير أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن فقد جاء اليوم الذي عاد ابنها إليها محمولا على الأعناق وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة قالوا لها أن جدارا سقط فوقه وأنهم أخرجوه بصعوبة بعد رفع الطوب من فوقه ، أعطوها مالا لتتصبر ، وهي تنوح ولدها الذي تكاد تفقده في ريعان شبابه وتبكي أبناءها الآخرين الذين كان يطعمهم ، الولد غائب عن الوعي ، تطوع أهل الخير وأحضروا طبيبا قال ألا فائدة ، بدأت تتلقى التعازي وولدها ما زال حيا ، سهرت تبكيه وتمسح دموعها مبتهلة إلى الله أن يعيده إليها وأن يرحمها ويرحم أبناءها الصغار وأن يرحم شبابه الغض ، استجاب الله لدعائها وأفاق الولد قبيل الفجر فتح عينيه رأى أمه أشار إليها أن تقترب همس في أذنها بالسر ، لقد قتلوني يا أمي انهالوا علي ضربا بالشوم ، ذهلت المرأة وقالت : لماذا ؟ قال : لأنني عثرت على الكنز ، كانوا يحفرون على الكنز يا أمي دون أن يخبروني ووجدته وقلت لا بد من إبلاغ الحكومة وأخذ مكافأتي ، رفضوا عرضوا علي نصيبا من الكنز لأسكت رفضت وقلت لا بد من إبلاغ الحكومة فحاولوا قتلي ، دمي عندهم يا أمي ...
لفظ الولد أنفاسه الأخيرة بين ذراعي والدته وإخوته ، جاءها كبيرهم أخبرته بما قال ولدها ، هددها أن تنطق بحرف ، أو أنها تستطيع أن تثبت شيئا ورمى لها بضع وريقات مالية وانصرف ودفنت السر مع ولدها ، جبنت المرأة عن الإفصاح بالسر في وقتها ، في الحقيقة أنها لو قالته عند وفاة ولدها والمشاعر لا تزال ملتهبة فالله وحده أعلم بما كانت تؤول إليه العواقب ولكن انتشر الخبر بعد فترة بعد أن ضاق صدر الأم بسرها ، الكل يسمع تحتقن مشاعره غضبا غير أنه لا يفعل شيئا سوى التعبير عن غضبه ببعض كلمات السباب ، المشاعر كلها مضطرمة والنار تفور وتشهق وتزفر ولكن داخل الأفئدة الموارة ، فجأة تذكرت عائلة النجار أن محمدا ابنهم وينتمي إليهم ، ولكنهم ساكتون على مضض حتى حين ، الكل ينتظر الشرارة ، شرارة واحدة كفيلة بتفجير الموقف كله وإثارة البركان الخامد وأتت الشرارة ...
عاد الشيخ محمود
عاد فجأة كما اختفى فجأة ، ولكنه هذه المرة كان يعرف طريقه فقد ألف القرية وألف شوارعها وفوجئ به زكي يطرق بابه ليلا فتح زكي الباب ليجده أمامه ، انتابته رجفة قوية ، وتأرجحت مشاعره ما بين الخوف وبين السعادة لرؤيته وتجسدت له في لحظة كل أطماعه وطموحاته السابقة ، ألجمته المفاجأة عن القيام بواجب الترحاب اللازم غير أن الشيخ محمود قطع عليه دهشته تلك بأن قال له : ألن تدعوني للدخول يا حاج زكي ؟
أفاق زكي وانتفض ثم سارع باعتناقه وهو يلهج بكل عبارات الترحاب التي يألفها ويقوده من يده ليدخله "المندرة" .
أين كنت يا شيخ محمود وكيف اختفيت فجأة هكذا يا رجل دون حتى كلمة وداع واحدة ودون أن تخبرنا عن وجهتك ؟
ألقى زكي السؤال على محدثه الشيخ محمود بعد العشاء وهو يقدم له كوب الشاي المركز ويضعه في متناول يده فتناوله منه وهو يشكره وارتشف رشفة عميقة منه ثم تنهد وقال : لا تؤاخذني يا حاج زكي فقد اضطرتني ظروف خاصة لا أستطيع أن أبوح بها للسفر في مهمة معينة ، لا تشغل بالك بهذا ، قل لي ماذا فعلت بعد أن ذهبت ؟
شعر الحاج زكي بخوف حقيقي جعله لا يجرؤ على سؤاله عن هذه الظروف الخاصة ، خشية أن يغضبه بإلحاحه من ناحية ومن ناحية أخرى فقد خشي أن تكون هذه المهمة في عالم ما تحت الأرض مع إخوان الشيخ من سكان العالم السفلي وحينئذ لن يسره سماعها بالتأكيد في هذا الوقت المتأخر من الليل وهو منفرد مع الشيخ في الحجرة التي أعدت بسرعة له ، فقد كان كمعظم الفلاحين يخشى سماع هذه السيرة لاعتقاده أنهم يحضرون بمجرد سماع اسمهم لذا كان يتحاشى أحدهم أن ينطق باسم العفاريت والجان حتى لو كان الحديث يدور حواليهم فيقولون مرة الأسياد أو يسبقه بالتسمية فيقول : رأى – بسم الله الرحمن الرحيم – شيئا طويلا أسود ، وهكذا ، خاصة أن الحاج زكي ومعظم الفلاحين لهم حكايات مع سكان العالم السفلي يتندرون بحكايتها حين يجتمعون للسمر أمام أكواب الشاي و " الجوزة " التي يندر أن تخلو مجالسهم منها ، يذكر الحكاية التي حكاها لهم عم سيد الذي خرج لصلاة الفجر فوجد جماعة تصلي أمام بيته المطل على الترعة ويرتدون كلهم ملابس بيضاء ومع أنه تعجب من صلاتهم في هذا المكان فإنه تقدم ليصلي معهم ، وإذا به يسقط في الترعة التي خيلوا له أنها أرضا يابسة ، وقد التبسوا به من حينها وظل طريح الفراش أسبوعا غير أنه فاه بالسر في اللحظات الأخيرة قبل أن يقضي نحبه ، أو تلك الحكاية التي قصتها له أمه عن أبيها الحاج مسعد الذي كان دوره في سقي الأرض دائما يأتي بالليل قبل الفجر ، ولأن الماء شحيحا في محافظتنا استنثاء من كل محافظات البر المصري فقد لجأت الحكومة لتقسيم الماء بالوقت وحددت للفدان ساعة واحدة يفتح الماء على أرضه ثم يسلم الذي بعده ويقسم الوقت بناء على عدد ما يملكه الفلاح من فدادين أو قراريط فالقيراط له دقيقتان ونصف فقط ، وكم من معارك وقتلى وجرحى بسبب الصراع على نصف دقيقة أخذها هذا زيادة عن حقه ولم يغلق الماء عن أرضه ، ذهب أبوها بالطبع قبل موعده لأنه يحتاج أن يهيئ الأرض ويزيل أي عقبات من طريق الماء فالوقت ضيق وهو لا يكاد يكفي الأرض لذا يصلح الفلاح الجسور والقنوات التي يسير فيها الماء ويزيل الحشائش ويسوى أي مرتفعات في الأرض قد تحجب الماء حتى يصل الماء لكل الأرض ويقسم الأرض لخطوط يقوم بوضع البذور في جانبي الخط لا في قمته حتى يضمن وصول الماء إليه فالماء كما قلنا قليل ولا يكفي ليغرق الأرض ليصل إلى قمة الخط الذي كان يصنعه يدويا بفأسه قبل أن تتدخل الجرارات وتقوم هي بمهمة الحرث هذه ، وأحيانا كان يقترض الفلاح من جاره دوره في الماء ، يسمونه " الطرف " فيضمه لطرفه حين يكون الآخر في غنى عنه ليرده له في طرفه التالي ، وكانت هذه العملية تتم كل أسبوع وكل فلاح يحفظ دوره ويومه ووقته بالساعة والدقيقة حسب التوقيت العربي المرتبط بالقمر ويحمل الفلاح ساعة بكاتينة يسمونها ساعة عربية ، حقيقة أنا لم أفهم التوقيت العربي هذا ولا أعرف كيف يتم قياسه ولا الفارق بينه وبين التوقيت الشمسي ، غير أن العملية لديهم محسوبة بكل دقة ويشرف على كل هذا شيخ البلد الذي يحدد لكل شخص نصيبه من الماء بناء على حجم أرضه ويحدد له اليوم والساعة التي يكون من حقه فيها أن يفتح الماء على أرضه ثم يغلقه في الوقت المحدد .
وفي اليوم المحدد لطرف أبي زوجته الحاج علي مر عليه جاره في الأرض الذي سيتسلم الماء منه وقال له : هيا نذهب لنسوي الأرض قبل أن يأتي موعد الطرف حتى لا يجور علينا فرج أبو شحاته ويسرق نصيبك ، ذهب معه وأحكم وضع الشال على رأسه ليقيه برد الشتاء القارص متدثرا ببالطو قديم ومسلحا بعصا من أجل الكلاب التي تحرس الأراضي ومشى معه ، في الطريق تعثر جاره محمد فرحات فصرخ : آه يبدو أن شوكة دخلت في قدمي هل لك أن تخرجها من قدمي يا حاج علي ، مال الحاج علي على قدمه ليرى ما أصابها وحين نظر فيها فجأة رِجْلَ حمار . تراجع مذعورا وقد أدرك كنه اللعين فسارع يذكر اسم الله فاختفى الملعون في الحال ، غير أن هؤلاء الرجال القدماء كانوا شجعانا وأبطالا ، لم يهتم كثيرا وأكمل طريقه إلى أرضه حيث وجد هناك محمد فرحات الحقيقي يقوم بتسوية الأرض القى عليه السلام فرد عليه السلام وقال له : لماذا تأخرت يا حاج علي ؟
قال وهو يهز رأسه : حكاية غريبة حدثت لي يا أبو رجب ؟
قال له : خيرا ماذا حدث ؟
قال مر علي ملعون أظنه فرخ جان متنكرا بهيئتك ليرافقني للأرض وفي الطريق تظاهر بأن شوكة دخلت قدمه وطلب مني إخراجها وحين حاولت إخراجها فوجئت بها رجل حمار .
ضحك محمد أبو رجب كثيرا حتى كاد يستلقي على قفاه وشاركه الحاج علي الضحك وحين انتهت نوبة الضحك رفع محمد فرحات قدمه وقال له : هل كانت مثل هذه ؟
نظر لها الحاج علي فوجدها رجل حمار بحوافر .
هذه المرة لم يتحمل الحاج علي الصدمة فسقط مغشيا عليه وحمل لداره ، ثم حكى لزوجته القصة ومات لوقته .
انتفض الحاج زكي حين وصل لهذه النقطة واختلس نظرات من عينه لقدم الشيخ محمود ، لماذا لا يتأكد ، إنه لم ير قدمه حتى الآن ، استغرقته هذه الوساوس فوجد نفسه ينفعل معها ويصدقها ، أخذ ينظر لرجل الشيخ محمود التي لم يكن يرى منها شيئا لاختفائها في الحذاء مما زاد من الشكوك في نفسه أكثر فقرر أن يحتال ليتأكد من هذا الأمر ، استأذن من الشيخ محمود ثوان ثم عاد ومعه نعلا خفيفا وقال له خذ يا شيخ محمود البس هذا النعل لتدخل به الحمام فهو مريح أكثر لقدمك ، ابتسم الشيخ محمود بخبث وقال له : هل تريد أن تريحني فقط أم أنك تريد أن ترى قدمي ؟ وأطلق ضحكة خبيثة عالية انفطر لها قلب الحاج زكي رعبا وكاد يقسم أن من أمامه شيطان ملعون أو عفريت شقي يتلاعب به ، أو هو إبليس نفسه يتسلى به وإلا كيف علم الملعون بما يفكر فيه غير أنه قطع عليه استرسالاته قول الشيخ محمود : عامة هذه قدمي يا حاج زكي تعالى لتنظر إليها لتتأكد أنها ليست رجل حمار وخلع حذائه .
لم يستطع الحاج زكي أن ينظر لقدم الشيخ محمود وقد وقر في ذهنه وخلده أنها لا بد رجل حمار وأنه يريد أن يفزعه ويقضي عليه ، قال : لا يا شيخ محمود لا أريد أن أنظر وهل أنا أشك فيك معاذ الله ؟
وأخذ يتلو في سره كل ما يحفظه من آيات القرآن الكريم ، غير أن الشيخ محمود ألح عليه وقال : لا بد أن تنظر هاهي قدمي هيا انظر ، انظر لماذا تخاف ؟ انظر بنفسك وتأكد .
استجمع الحاج زكي شجاعته والتفت إليه مرة واحدة وكانت المفاجأة أن قدمه كانت عادية جدا على خلاف ما كان يتوقعما زال الحاج زكي يزداد ثراء ، وما زالت أرضه تتضاعف ، وكذلك زيجاته بالطبع ، وما زال الأشخاص المجهولون يتوافدون إلى " السراي " المهيبة الفخمة ، اختفت علامات التساؤل عن سر ثروة الحاج زكي ، لم يعد أحد يتحدث عن الكنوز ، غير أن محاولات البحث عن الكنز لم تنته ، وما زال السؤال معلقا بلا إجابة هل عثر الحاج زكي فعلا على الكنز ؟ حتى بعد أن عاد إبراهيم ابن الحاج زكي يركب سيارة أفخم من سيارة أبيه ويلبس ملابس رجال الأعمال والوزراء كما يشاهدونهم في التلفاز ، وحتى بعد أن ازداد بدانة ونعومة وأناقة حتى إنهم أنكروه في البداية ثم تحققوا منه ، يوم عاد أقام الحاج زكي صيوانا كبيرا قدم فيه الطعام وذبح فيه الذبائح ودعا علية القوم ، غير أنه لم يدع الفقراء إلى وليمته الفاخرة التي تكلفت كثيرا ، غير أنه لم ينسهم فقد انتشر أتباعه وعماله يوزعون أكياسا سوداء تحتوي على نصيبهم من اللحوم ليأكلوها كما يحلو لهم ، كل بيت حسب أفراد عائلته ، وبدأت الشائعات تنتشر أن الحاج زكي ينوي أن يدخل البرلمان وأنه يفعل هذا من الآن دعاية له ليكسب شعبية له وليضمن أصوات الفلاحين أهل قريته ، ولم ينس القرى المجاورة التي يهمه أصواتها بالطبع إذ بنى في كل قرية وعزبة مسجدا ، سمي باسمه ، واشترى أراضي وتبرع بها لإنشاء مدارس عليها ، بل سعى للحصول على الموافقات ، بدأت أعماله تتزايد خاصة بعد حضور ابنه إبراهيم وتوليه إدارة أعمال والده ، لم يكن إبراهيم متعلقا بالأرض كأبيه وكانت لديه أفكار أخرى كثيرة تلائم عقلية رجال الأعمال ولكن تحت ضغط والده كان النصيب الأكبر من تلك المشروعات في القرية والقرى المجاورة احتكر مصانع الطوب الأحمر واشترى المصانع الموجودة على نطاق واسع بخلاف ما بناه ، جرفت أراض كثيرة وبيع ترابها لمصانع الطوب وزحفت العمرانية والمباني الحديثة لتأكل الأخضر واليابس في طريقها ، بدأت القرية تعرف مراكز التسوق الكبرى والعمارات التي كانت شاهقة في عرف القرية وإن لم تتخط طوابقها العشر على أكثر تقدير ، كان إبراهيم طموحا جدا وذكيا جدا ، استطاع أن يعيد تشكيل ثقافة أهل القرية لكي يضمن الرواج لمشاريعه المبتكرة كلها ، أنشأ معرضا ضخما جدا لبيع كل السلع بالتقسيط ، لم يبق بيت في القرية لا يوجد به سلعة على الأقل من معارض إبراهيم ، أقبل الفلاحون على شراء أطباق الإرسال الفضائية ، امتلأت سطوح المنازل بهذه الأطباق ، ليست أجهزة الاستقبال فقط بل التلفازات وأجهزة الهاتف الخلوي ، والثلاجات ، وأجهزة الحاسب الآلي ، ومع ازدياد التعليم وبداية ظهور الجيل الجديد الذي تلقى تعليمه في الجامعات لم يعد يخلو بيت في القرية من حاسب آلي وأجهزة استقبال ، كان واضحا أن القرية تتحول إلى مدينة بصورة متسارعة ، الأراضي هجرت وبدأت تجرف لصالح مصانع الطوب ، سوى أراضي الحاج زكي بالطبع وأراضي العمدة الذي كان يجاهد للحفاظ على مكانته ومحاولة الحصول على دور له رغم التجاهل الشديد ، بل العجب العجاب أن صار كثير من الشباب اليافعين لا يعرفون اسم العمدة وإن كانوا يعرفون أن لقريتهم عمدة وأنه من عائلة فلان ، هذا سوى ما أشيع عن استثمارات إبراهيم وأبيه الضخمة في القاهرة وشرم الشيخ والمدن السياحية ، أشيع أن عنده قرى سياحية منتشرة على طول الساحل الشمالي كله ، ولكن كان مؤكدا استثمارات إبراهيم في إيطاليا ، كان الحاج زكي يحكي بفخر عن ابنه الذي لم تغره أضواء أوروبا -ثم يغمز بعينه قائلا – ولا فتيات إيطاليا ، ويضحك الحضور في حين يعلق أحدهم أن الولد ليس مثلك يا حاج زكي لم يأخذ صفاتك .
ويضحك الحاج زكي قائلا : مغفل ، وهل هناك متعة أفضل من النساء ؟ ثم يستعيد وقاره قائلا : حين كان أقرانه ينفقون معظم مدخراتهم على بنات الليل في إيطاليا كان هو يحافظ على ما يكسبه ، شيئا فشيئا استطاع أن ينشئ مطعما يقدم الطعام المصري رغم أن هذا الولد حمار في الطبيخ لم يكن يعرف كيف يصنع لنفسه حتى كوب شاي ، ولكن سبحان الله أعجب الخواجات ما يصنعه وأي شيء كان غريبا عليهم كان يلقى رواجا وشيئا فشيئا صار المطعم اثنين ثم سلسلة مطاعم ، وصار يرسل لإخوته ليعاونوه في أعماله ، هو ابن حلال لم ينس إخوته حقا أنا فخور به .
فيؤمن الحضور على قوله داعين له بطول البقاء .
نسي الناس حلم الكنوز الصعب طريق الثراء وقرروا اختيار المضمون المؤكد وهو السفر لأوربا توافد الشباب وآباؤهم على الحاج زكي يتوسطون به ليساعد أبناءهم على السفر ، افتتح مكتبا للتسفير ، ومثلما فعل فيه كان يقوم بتسفيرهم بنفس الطريقة حاصلا على مبلغ ضخم كان يدفعه الناس راضين ، وشهدت القرية حركة رواج اقتصادي كبيرة جدا حين بدأت تنهال العملة الصعبة على البلد ، وحينها استبدلت المنازل العصرية بالمنازل الريفية الطينية التقليدية ، وكل هذا كان يصب في خزائن إبراهيم في النهاية فهو صار معروفا أنه يتاجر في كل شيء في مواد البناء بل مقاولات البناء نفسها ، وفي الأجهزة الكمالية والمعمرة ، وافتتح معرض سيارات فقد صار عدد لا بأس به يركب السيارات في القرية .
الأمر اللافت للنظر أن إبراهيم لم يتزوج حتى الآن وحين كان يتقدم الحاج زكي طالبا مصاهرة بيت ما كان أهله يظنون أنه يطلب ابنتهم لابنه ثم يفاجؤون بأنه يطلبها لنفسه غير أنه في الفترة الأخيرة صار عازفا عن التجديد وزوجاته الأربع معه منذ فترة طويلة بدا راضيا بهن أو أنه زهد في النساء أو أنه بحكم السن لم يعد يقوى على تحقيق رغباته خاصة أن وصفات العطار والأدوية الحديثة تفيد مع الشباب فقط أو هكذا يقال ، وبدأت الشائعات تنتشر سرا عن شذوذ إبراهيم الذي تعلمه من إيطاليا ، بدأت الشائعات على استحياء ثم انتشرت بسرعة في المجالس السرية ثم انتقلت للعلنية حتى وصلت لإبراهيم نفسه وأبيه الذي غضب غضبا شديدا وأقسم ليزوجن ابنه ليقطع ألسنة الناس السيئة ، في حين بدا إبراهيم نفسه غير مبال ولا مهتم بما يقال عنه وغير متحمس أيضا للزواج غير أنه لا يستطيع أن يغضب أبيه أو يخرج عن إرادته وبمصاهرة الحاج زكي لنائب البرلمان عن المركز صار إعلانا عن ذوبان الفوارق الحقيقية وأن الزمن الجديد صار للمال ورجال الأعمال بل إن الخبثاء تحدثوا بأن أم العروسة هي من أطلقت تلك الشائعات عن إبراهيم لتدفعه للزواج من ابنتها بعد أن وضعتها في طريقه ، وتحدث الخبثاء أيضا بأن الحاج زكي بزواجه هذا يوطئ لدخوله البرلمان بدلا من الحاج ياسين أو بعد وفاته فالرجل كما تبدو من صحته لن يعمر كثيرا وهو يشغل هذا المنصب منذ خمس دورات كاملة أي ربع قرن قضاها في المجلس .
أقيم فرح ضخم لم يقم مثله في القرية من قبل وظلت قريتنا تتحدث عنه شهورا عديدة ، ففضلا عن الولائم والذبائح والفرق الموسيقية والمطربين الذين كانوا يشاهدونهم في التلفاز ورأوهم لأول مرة على الطبيعة ، وفضلا عن استمرار الفرح سبعة أيام كاملة كل يوم ولائم وفرقة مختلفة تحيي الليلة ، فإن المثير في الأمر كان توافد شخصيات مهمة جدا على سرايا الحاج زكي يركبون السيارات السوداء الداكنة وتتبعهم سيارات حراسة وهو المنظر غير المألوف في القرية الذي لم يشاهدوه سوى في التلفاز ...
ولكنك يا جدي لم تحك لي عن الشيخ محمود أو الغزواني شيئا وكأنك نسيته ؟
شرد الحاج زكي كثيرا وتنهد قبل أن يقول لحفيده : آه الشيخ الغزواني كدت أنساه ، لا شيء يا ولدي ، عندما عاد في المرة الثانية وواصلنا الحفر كالمرة الأولى ووصلنا إلى ما أسماه الباب وفتحناه لم نجد شيئا فأعدنا ردم كل شيء وإعادته لمكانه، وحين طلب مني الحفر في مكان آخر للعثور على كنز غير مسروق ولم يفتح من قبل رفعت فأسي وكدت أفصل رأسه عن جسده لولا أنه راغ عن ضربتي وولى الفرار ولم أره بعدها ، ثم عاد أبوك إبراهيم وزوجته ودخلت البرلمان بعد وفاة الحاج ياسين الله يرحمه ، وها أنت أتيت لأفرح بك أكثر من فرحتي بأبنائي وقد ترك لك أبوك مالا تعجز عن عده وأرضي تسير فيها أياما ولا تأتي بنهايتها وتلك يا ولدي هي قصتي ، كاملة حكيتها لك لتحفظ تاريخنا وتتمسك بأصولنا وإياك إياك يا ولدي أن تفرط في أرضنا لقد تنازلت عن جزء منها قديما لكني استرددتها أضعافا وأبوك إن أراد عاش عيشة الملوك في أي مكان شاء غير أننا أبناء هذه القرية لا يمكن أن نتركها وإلا متنا وقضي علينا كالسمك حين يغادر الماء .
****
وبعد أيها القراء هذه قصة جدي كاملة كتبتها لكم كما حكاها لي جدي الحاج زكي سليمان رحمه الله ، واستكلمت بقية حوادثها من أبي ومن أصدقاء أبي وجدي ، وأكملت بخيالي ما ينقصني من معلومات ، أكتبها كتاريخ للقرية التي عاش جدي عاشقا لها ومات ودفن في ترابها حتى آخر لحظة كان يعشقها وآخر وصيته لي التمسك بالأرض .

منقول